٢٣٥٩ - عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه، قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديثهم، وقال صوم شهر.
-[المعنى العام]-
من حكمة الله تعالى ورحمته بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تدرج بها في تشريع الأمور التي تشق عليها، تدرج بها من الأخف إلى الأشد، ثم كان من حكمته جل شأنه أن يتدرج بها أحياناً من الأشد إلى الأخف تيسيراً عليها وإشعاراً بفضله ومنته، وكان صيام رمضان من التشريعات التي لحقها الرخصة والتيسير أولاً، ثم التشديد ثانياً ثم التخفيف ثالثاً.
لقد أنزل تبارك اسمه وجلت حكمته قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون}[البقرة: ١٨٣، ١٨٤]. ففرض صيام شهر رمضان على التخيير بين الصوم والإطعام لمن قدر على الصيام، وإن كان الصوم خيراً من الإطعام، فكان من أراد الصوم صام، ومن أراد الفطر أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً.
ومن المعلوم أن من أهم حكم الصوم ترقيق قلوب الأغنياء على الفقراء، فكان البديل محققاً هذه الغاية وجمعت بين البدل والمبدل عنه حكمة التشريع.
وكانت بداية الإمساك ليلاً للصيام من حين ينام المسلم أو من حين يصلي العشاء الآخرة؛ أيهما يقع، فلا يحل له بعده أن يأكل أو يشرب أو يجامع حتى مغرب اليوم التالي.
فكان هنا تخفيف بالتخيير، وتشديد بزمن الإمساك، ثم طرأ على التخفيف تشديد، وصار الصوم حتماً واجباً لمن قدر عليه ممن لا عذر له وانتهت رخصة الإطعام بقوله تعالى:{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه}[البقرة: ١٨٥].
وطرأ على التشديد تخفيف زمن الإمساك وجعله من الفجر؛ بقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم