يؤيد هذا وصاياه صلى الله عليه وسلم للأنصار إذ قال لهم: "جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار إنكم لأعفة صبر، وإنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".
ويروي البخاري في وصيته صلى الله عليه وسلم بالأنصار "أن أبا بكر والعباس رضي الله عنهما مرا بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال [العباس أو أبو بكر] ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا [أي ذكروا مجالسهم معه- وكان ذلك في مرض موته صلى الله عليه وسلم- فخشوا أن يموت من مرضه، فيفقدوا مجلسه] فدخل [أبو بكر أو العباس] على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك. قال فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال فصعد المنبر- ولم يصعده بعد ذلك اليوم - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي [أي بطانتي وخاصتي] وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم".
"أيها الناس: إن الناس يكثرون وتقل الأنصار، حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم".
واشتمل الحديث على شقين:
الأول: أن حب الأنصار علامة الإيمان
والثاني: أن بغض الأنصار علامة النفاق.
وقد ورد على الشق الأول أن ظاهره يفيد أن من أحب الأنصار كان مؤمنا ولو لم يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم بقلبه، لأن علامة الإيمان إذا وجدت وجد الإيمان، مع أن هذا الظاهر غير مراد.
ويجاب على هذا الإيراد بأن حب الأنصار حبا حقيقيا من هذه الحيثية أعني من حيثية كونهم ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا ممن صدق وآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل في الجواب: إن الحديث قد خوطب به من يظهر الإيمان، أما الكافر فلا يطلب منه حب الأنصار، لأنه مرتكب بكفره ما هو أشد من بغضهم، والجواب الأول أدق.
وورد على الشق الثاني أن ظاهره يفيد أن من أبغض الأنصار كان منافقا وإن صدق وأقر.
وقد أجاب الحافظ ابن حجر على هذا الإيراد فقال: إنه محمول على تقييد البغض بالجهة، فمن أبغضهم من جهة هذه الصفة- وهي كونهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم - أثر ذلك في تصديقه فيصح أنه منافق، ويقرب هذا الحمل زيادة أبي نعيم في المستخرج في حديث البراء بن عازب "من أحب الأنصار فبحبي أحبهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم".
ثم قال: ويحتمل أن يقال: إن اللفظ خرج على معنى التحذير. فلا يراد ظاهره. اهـ.
وهل المطلوب في الحديث حب جميع الأنصار أو حب المجموع الذي لا يضره بغض فرد أو أفراد؟
الظاهر أننا إذا أردنا الحب المنبعث عن النصرة كان المطلوب حب كل واحد منهم أي جميعهم، إذ بغض أي منهم من هذه الجهة ممنوع شرعا.