كفاية، فهو أفضل من النفل، ولأنه مصحح للصلاة وغيرها من العبادات، ولأن نفعه متعد إلى الناس، وقد تظاهرت الأحاديث بتفضيل الاشتغال بالعلم على الاشتغال بصلاة النافلة.
وعن مالك وأحمد: يستحب له الاشتغال بالصلاة والذكر والقراءة مع نفسه، قالا: ويستحب أن لا يقرئ القرآن ولا يشتغل بكتابة الحديث ولا بمجالسة العلماء، كما لا يشرع ذلك في الصلاة والطواف.
قال النووي: واحتج أصحابنا بأن أمر القرآن وتعليم العلم والاشتغال به طاعة، فاستحب للمعتكف كالصلاة والتسبيح، ويخالف الصلاة، فإنه شرع فيها أذكار مخصوصة، وأما الطواف فقال أصحابنا: لا يكره إقراء القرآن وتعلم العلم فيه.
-[ويؤخذ من الأحاديث: ]-
١ - استدل بالأحاديث المذكورة ومن قول عائشة في الرواية الرابعة "حتى توفاه الله" على أن الاعتكاف لم ينسخ، وقد سبق توضيح حكمه في أول فقه الحديث.
٢ - ومن قولها في الرواية الرابعة "ثم اعتكف أزواجه من بعده" أنه ليس من الخصائص.
٣ - قال النووي: وفي هذه الأحاديث أن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في ملازمته، فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة لا سيما النساء، لأن حاجتهن إليه في البيوت أكثر.
وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود والجمهور سواء الرجل والمرأة، وقال أبو حنيفة: يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وهو الموضع المهيأ من بيتها لصلاتها. قال: ولا يجوز للرجل في مسجد بيته، وفي القديم قول للشافعي كذلك، وهو ضعيف عند أصحابه، وجوزه بعض أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي للمرأة والرجل في مسجد بيتهما.
ثم اختلف المشترطون للمسجد، فقال مالك والشافعي وجمهورهم: يصح الاعتكاف في كل مسجد، وقال أحمد: يختص بمسجد تقام الجماعة الراتبة فيه، وقال أبو حنيفة: يختص بمسجد تصلي فيه الصلوات كلها، وقال الزهري وآخرون: يختص بالجامع الذي تقام فيه الجمعة، ونقلوا عن حذيفة بن اليمان الصحابي اختصاصه بالمساجد الثلاثة. المسجد الحرام، ومسجد المدينة والمسجد الأقصى. اهـ
وقال الحافظ: وخصه عطاء بمسجد مكة والمدينة، وخصه ابن المسيب بمسجد المدينة.
واستدل على شرط المسجد في الاعتكاف بقوله تعالى:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}[البقرة: ١٨٧]. قال الحافظ ابن حجر: ووجه الدلالة أنه لو صح في غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة به لأن الجماع مناف للاعتكاف بالإجماع، فعلم من ذكر المساجد أن المراد أن الاعتكاف لا يكون إلا فيها.