أما أين تم هذا الإحرام؟ الأول فقد كان عند ميقات أهل المدينة بذي الحليفة، وتحدثنا الرواية الخامسة والثلاثون عن كيفيته، فتقول على لسان جابر رضي الله عنه:"فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري بثوب -أي ضعي خرقة عريضة بين الفخذين وشديها في حزامك، تتلقى ما ينزل من دم -وأحرمي [وقد سبق الكلام على كيفية إحرام الحائض والنفساء في الباب الذي قبل هذا] فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد -أي مسجد ذي الحليفة- ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك .... وأهل الناس بهذا الذي يهلون به [وقد سبق الكلام على إحرام أهل المدينة وميقاتهم، ومن أين يهلون قبل أبواب].
واستمر هذا الحال حتى وصلوا سرف، وفيها تقول الرواية التاسعة والحادية عشرة على لسان عائشة رضي الله عنها:
(حتى إذا كنا بسرف، أو قريباً منها حضت) وتقول في الرواية العاشرة "حتى جئنا سرف، فطمثت" وفي الرواية الثالثة والعشرين "حتى إذا كنا بسرف عركت" و"سرف" بفتح السين وكسر الراء بين مكة والمدينة، تقرب من مكة، على بعد ستة أميال منها، وقيل: تسعة، وقيل: عشرة، وقيل: اثنى عشر ميلاً، ولعل هذا الاختلاف مبني على تعدد الطرق وتعرج بعضها.
قال النووي: يقال: حاضت المرأة، وتحيضت، وطمثت، بفتح الطاء وكسر الميم وعركت -بفتح العين والراء، ونفست -بفتح النون وضمها، لغتان مشهورتان، الفتح أفصح، والفاء مكسورة فيهما، أما النفاس الذي هو الولادة فيقال فيه: نفست بالضم لا غير وضحكت، وأعصرت، وأكبرت، وكله بمعنى واحد، والاسم منه الحيض والطمث والعراك والضحك والإكبار والإعصار، وهي حائض، وحائضة في لغة غريبة، حكاها الفراء، وطامث وعارك ومكبر ومعصر. اهـ
(فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: أنفست؟ يعني الحيضة؟ قالت: قلت: نعم) وفي الرواية العاشرة "فقال: ما يبكيك، فقلت: والله لوددت أني لم أكن خرجت العام. قال: مالك؟ لعلك نفست؟ قلت: نعم".
(قال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج -أي افعلي ما يفعل الحاج- غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي) وفي الرواية العاشرة "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري".
وبعد سرف بقليل قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه -كما في الرواية الرابعة:
(من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل. قالت عائشة -رضي الله عنها- فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالحج والعمرة، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بالعمرة)