للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإسناد الفعل للرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الظن البعيد الذي يشبه الوهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث التي عرضناها كان يعلن التفريق بينه وبين غيره بسوق الهدي.

قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون معنى "تمتع" محمولاً على مدلوله اللغوي، وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة، والخروج إلى ميقاتها وغيرها، بل قال النووي: إن هذا هو المتعين، وقوله "بالعمرة إلى الحج" أي بإدخال العمرة على الحج. اهـ وهذا الاحتمال لا يتوافق مع رأي ابن عمر في أنه صلى الله عليه وسلم كان مفرداً.

(وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج) هذا مشكل مع ما ثبت من حاله صلى الله عليه وسلم المستفاد من الأحاديث الكثيرة، وأنه بدأ بالحج أولاً، ثم أدخل عليه العمرة، وهذا بالعكس. قال الحافظ ابن حجر: وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال [ولفظ الإحرام] أي لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما، فقال [في لفظ التلبية] لبيك بعمرة وحجة معاً. اهـ أي فبدأ بلفظ العمرة، ثم عطف عليه لفظ الحج] وهذا الجواب بعيد، لأنه لا يتوافق أيضاً مع رأي ابن عمر في أنه صلى الله عليه وسلم كان مفرداً، والخروج من هذا المأزق أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مفرداً كالصحابة في ذي الحليفة، ثم لما فسخ الصحابة الحج إلى العمرة لم يفسخ، لأنه ساق الهدي، فلا يحل الفسخ، فأحرم بالعمرة، فطاف وسعى، فأنهى مناسك العمرة، ثم خرج إلى منى لأداء مناسك الحج، فحين يتحدث الراوي عن الحالة الثانية والثالثة يمكن أن يقول: بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج. وحين يتحدث عن الحالة الثالثة وحدها، دون أن يسمع منه، لبيك عمرة وحجة يقول: إنه كان مفرداً، والله أعلم.

الرواية التاسعة والخمسون

(ما شأن الناس حلواً؟ ولم تحلل أنت من عمرتك؟ ) في الرواية المتممة للستين "ولم تحل من عمرتك" وفي الواحدة والستين "ما يمنعك أن تحل" وقد سبق القول بأن نساءه لم يسقن الهدي فحللن بعمرة، والمراد من قولها "من عمرتك" أي من إحرامك، فإنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً أو حاجاً وقيل: إن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر مادام قد صحب الهدي.

(إني لبدت رأسي وقلدت هديي) لبد شعره جعل فيه شيئاً نحو الصمغ ليجتمع شعره، لئلا يتشعث في الإحرام، وتقليد الهدي تعليق نعل أو نعلين في رقبة الناقة، أو شيء من الجلد، أو لحى شجرة، كعلامة عن كونها هدياً بالإضافة إلى إشعارها، وهو أن يضرب صفحة سنامها الأيمن أو الأيسر بحديدة أو سكين، فيشق الجلد ويسيل الدم، ثم يرفأ الجرح ويبقى أثره علامة على كونها هدياً. والحكمة فيه أن البدنة التي أشعرت أو قلدت إذا اختلطت بغيرها تميزت وإذا ضلت عرفت، وربما ارتدع سارقها فتركها، وقد تعطب فتنحر فتكون للمساكين، وفي ذلك تعظيم شعار الشرع، فالقرآن الكريم يقول: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله} [الحج: ٣٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>