حمى يثرب. قال المشركون: إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم الحمى. ولقوا منها شدة. فجلسوا مما يلي الحجر. وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط. ويمشوا ما بين الركنين. ليرى المشركون جلدهم. فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم. هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها، إلا الإبقاء عليهم.
٢٦٩٥ - عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمل بالبيت، ليري المشركين قوته.
-[المعنى العام]-
ابتليت المدينة في أوائل الهجرة بكثرة مرض الحمى، وخرج المهاجرون من مكة تاركين أموالهم بها، وقاسموا الأنصار أموالهم، فكانت الحياة صعبة والمعيشة ضيقة، حتى بدت الأجسام هزيلة أو ضعيفة، ولكن قوة الإيمان وقوة العقيدة كانت تجعل حركتهم ونشاطهم أقوى من الأقوياء، وصدق القائل: إن قوة العزيمة أعظم وأشد من قوة العضلات وصدق الرسول الكريم إذ يقول "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" قوة العزيمة تجعل من ضعيف البدن شجاعاً مقداماً، وضعف العزيمة تجعل من قوي البدن جباناً فراراً.
لقد علم مشركوا مكة ضعف أجسام المسلمين بالمدينة، وها هم قد أذن الله لهم بالعمرة والطواف حول الكعبة، وانتظر المشركون أن يروا أناساً هزيلة حركاتهم، خائرة قواهم، يتساقطون إعياء عند طوافهم، وقعدوا لهم في حجر إسماعيل، ليهزءوا بهم ويسخروا منهم، لكن القائد الحكيم رد سهام المشركين إلى نحورهم، وأصدر تعاليمه للمسلمين بأن يرملوا ويسرعوا المشي في الطوفات الثلاث الأولى، ليرى المشركون أن المسلمين أقوياء قوة لا تخطر ببال المشركين، وأعان الله المسلمين على الرمل والطواف والسعي، وقال المشركون بعضهم لبعض: أهؤلاء الذين ظننتم أنهم ضعفاء، إن ضعيفهم أقوى من كثير منا.
وصار الرمل في الطواف في أشواطه الثلاثة الأولى والسعي والمشي السريع فيما بين الميلين في السعي بين الصفا والمروة سنة متبعة، يرى بها أعداء الإسلام قوة الإيمان.