(حيث تقاسموا على الكفر) أي حيث تحالفوا وتعاهدوا على أمور وخصال من خصال الكفر والباطل، كقطيعة الرحم، ومحاربة النبي ومقاطعة أهله، وهو تحالفهم على إخراج النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب من مكة إلى هذا الشعب، وهو خيف بني كنانة وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة، ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه.
-[فقه الحديث]-
واضح من الروايات أن النزول بالمحصب مختلف على استحبابه بين الصحابة، ثم بين الأئمة الفقهاء.
وأجمعوا على أن من تركه لا شيء عليه، ولا يؤثر في نسكه، لأن القائلين باستحبابه يقولون: إنه سنة مستقلة، ليست من مناسك الحج.
وواضح من الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بالمحصب بعد أن خرج من منى وفرغ من الرمي، وهو متجه إلى مكة لطواف الوداع والسفر، وأن أبا بكر وعمر والخلفاء وابن عمر التزموا النزول بالمحصب، كل ذلك لا خلاف فيه، ولكن الخلاف في أن هذا النزول كان مقصوداً من النبي صلى الله عليه وسلم كمكان مفضل، يستحب للحاج النزول فيه عند النفر من منى؟ أو كان نزولاً اتفاقياً؟ شأنه شأن أي مكان نزل فيه لا بقصد الاستحباب؟ حتى ولو كان بخاصية دنيوية كاتساع وصلاحية أرض، ووفرة عشب ونحو ذلك، كما رأى بعض الصحابة وأمراء بني أمية؟ .
فأنس في الرواية الأولى يميل إلى أنه سنة، لكن لا يصرح بذلك، بل يطلب من سائله أن يتبع أمراء بني أمية، خوف الفتنة في أمر هين.
وابن عمر في الرواية الثانية والثالثة على رأس القائلين بأنه سنة.
وأبو هريرة في الرواية التاسعة والعاشرة يشير إلى أنه سنة بروايته أنه كان مقصوداً للنبي صلى الله عليه وسلم قبل النزول فيه لخاصية دينية فيه، وهو أنه كان في الكفر مكاناً للمؤامرة والتآمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام فليعوض وليصبغ بذكر الله وإعلاء كلمته من حجاج بيته بالنزول فيه، وفي ذلك تذكير بفضل الله على المسلمين، ليشكروه على ظهور الإسلام بعد اختفائه، وعلى قوة أهله بعد ضعف، وعلى رد كيد الكافرين ومع هذا الفريق من الصحابة الشافعية والمالكية والجمهور، قالوا: يستحب النزول بالأبطح في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة عند النفر من منى، ويصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت به ليلة الرابع عشر، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وغيرهم.
الفريق الثاني من الصحابة تمثله عائشة -رضي الله عنها- في الرواية الرابعة والخامسة، وابن عباس في الرواية السادسة، وأبو رافع في الرواية السابعة، فإنه يقرر أنه هو الذي اختار المكان دون إشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عائشة وأسماء أختها وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير لا يحصبون ومع هذا الفريق جمهور الحنفية.