(أن العباس بن عبد المطلب استأذن أن يبيت بمكة ليالي منى) أي ليالي أيام التشريق.
(من أجل سقايته) السقاية إعداد الماء للشرب، وكانوا يستخرجون الماء من زمزم بالدلاء، ويجمعونه في الحياض في مكان في المسجد الحرام، ليشرب منه الحجاج، وكانوا يضعون فيه الزبيب ليصير الماء حلواً. كانت السقاية هذه حقاً للعباس في الجاهلية، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم عليها في الإسلام، وهي من بعده حق لآله. وكانت السقاية في يد قصي بن كلاب. ثم ورثها منه ابنه عبد مناف ثم منه ابنه هاشم، ثم منه ابنه عبد المطلب ثم منه العباس، ثم منه عبد الله، ثم منه ابنه علي، ثم واحد بعد واحد، رضي الله عنهم أجمعين.
(أحسنتم وأجملتم) أي فعلتم الحسن والجميل.
-[فقه الحديث]-
قال النووي عن الرواية الأولى: هذا الحديث يدل لمسألتين: إحداهما أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق مأمور به، وهذا متفق عليه، لكن اختلفوا. هل هو واجب أم سنة؟ وللشافعي فيه قولان، أصحهما أنه واجب، وبه قال مالك وأحمد، والقول الثاني أنه سنة وبه قال ابن عباس والحسن وأبو حنيفة، فمن أوجبه أوجب الدم في تركه، وإن قلنا: سنة لم يجب الدم بتركه، لكن يستحب، وفي القدر المطلوب لهذا المبيت قولان للشافعي، أصحهما معظم الليل، والثاني ساعة، وحكى في المجموع قولاً بأن المعتبر أن يكون حاضراً بها عند طلوع الفجر الثاني، قال: والأكمل أن يبيت بها كل الليل.
قال: ويؤمر بالمبيت في الليالي الثلاث، إلا أنه إذا نفر النفر الأول سقط مبيت الليلة الثالثة.
قال: فإن ترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق الثلاث -وقلنا بوجوبه- لزمه دم واحد عنها. هذا هو المذهب، وحكى قول غريب أنه يجب في كل ليلة دم. وليس بشيء. وإن ترك إحدى الليالي الثلاث -مع القول بالوجوب- فثلاثة أقوال. في الليلة مد، في الليلة درهم، في الليلة ثلث دم.
المسألة الثانية: أنه يجوز لأهل السقاية أن يتركوا هذا المبيت، ويذهبوا إلى مكة ليستقوا. وهل هذه الرخصة خاصة بالعباس؟ أو به وبآله؟ أو عامة لكل من تولى السقاية؟ أو يقاس على أصحاب السقاية من كان له عذره من مرض، أو شغل كالحطابين والرعاء؟ أو اشتغال بمريض؟ أقوال للفقهاء. ذكرها في المجموع بتفصيل.