هذه الأمور مستشعراً الاقتداء به، قاصداً المتابعة والأسوة الحسنة له أجر، لكن هل هو أجر العمل؟ أو أجر النية والقصد؟ هذا موطن الخلاف، ومن هذا القبيل ما نحن فيه من نزوله صلى الله عليه وسلم بالأبطح عند ذي الحليفة في طريق عودته إلى المدينة من حجة الوداع، فصلى الله وسلم عليه ورضي عن أصحابه أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة) أي أناخ بعيره، ونزل، ونزل المسلمون معه ليستريحوا من السفر، وليقضوا وقتاً بها، والبطحاء هو التراب الذي في مسيل الماء، وقيل إنه مجرى السيل إذا جف واستحجر، والبطحاء التي بذي الحليفة معروفة عند أهل المدينة وغيرهم بالمعرس. وقوله "التي بذي الحليفة" احتراز عن البطحاء التي بمكة بين مكة ومنى والمعروفة باسم المحصب، وقد سبق الكلام عليها في باب خاص قبل باب الهدي.
وكان هذا النزول في عودته من الحج إلى المدينة، كما تشير إلى ذلك الرواية الثالثة بقولها "كان إذا صدر من الحج أو العمرة أناخ بالبطحاء" أي إذا رجع من الحج والعمرة.
(أتى في معرسه) قال القاضي المعرس [بضم الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة] موضع النزول. قال أبو زيد عرس القوم في المنزل إذا نزلوا به، أي وقت كان من ليل أو نهار، وقال الخليل والأصمعي: التعريس النزول في آخر الليل، اهـ و"أتى" مبني للمجهول، أي أتاه الملك فقال له إنك ببطحاء مباركة.
(أناخ بنا سالم بالمناخ من المسجد) أي بالمكان الذي أناخوا فيه من المسجد.
-[فقه الحديث]-
قال النووي قال القاضي: والنزول بالبطحاء بذي الحليفة في رجوع الحاج ليس من مناسك الحج، وإنما فعله من فعله من أهل المدينة تبركاً بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها بطحاء مباركة. قال واستحب مالك النزول والصلاة فيه، وألا يجاوزه حتى يصلي فيه، وإن كان في غير وقت الصلاة مكث حتى يدخل وقت الصلاة فيصلي. قال وقيل إنما نزل به صلى الله عليه وسلم في رجوعه حتى يصبح لئلا يفجأ الناس أهاليهم ليلاً، كما نهي عنه صريحاً في الأحاديث المشهورة. والله أعلم.
وللحديث علاقة بحديث نزول الأبطح الذي بين مكة ومنى وقد سبق في باب خاص بعد باب رمي جمرة العقبة إلخ فليراجع.