لكنه أبيح لهم إذا وصلوا مكة بحج أو عمرة أو غيرهما من الأمور المرخص لهم بها كتجارة وزيارة أن يقيموا بعد فراغهم من مهمتهم ثلاثة أيام، لا يزيدون عليها، ويرحلون عنها امتداداً لرحيلهم الأول، ليكتب لهم ثواب هذا الرحيل مدى الحياة، وهو ثواب لا يدانيه ثواب.
لهذا أسف النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة أن مات بمكة بعد أن كان قد هاجر منها إلى المدينة. رضي الله عن السابقين الأولين المهاجرين وعن الصحابة أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(هل سمعت في الإقامة بمكة شيئاً)؟ أي ممن سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والمراد إقامة المهاجر من مكة أياماً بمكة بعد قضاء نسك الحج أو العمرة، وفي الرواية الثانية "ما سمعتم في سكنى مكة"؟ أي لمن فر منها إلى المدينة مهاجراً.
(للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصدر بمكة) الصدر بفتح الصاد والدال الرجوع والمراد الرجوع من منى بعد الفراغ من شعائر الحج وبمكة متعلق بإقامة، أي لمن هاجر من مكة إقامة بمكة ثلاث ليال بعد قضائه نسكه، وصرحت بذلك الروايات واضحة، ففي الرواية الثانية "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً" وفي الثالثة "ثلاث ليال يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصدر" وفي الرابعة "مكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاث" قال النووي عن هذه الرواية الرابعة هو أكثر النسخ "ثلاثاً" وفي بعضها "ثلاث" ووجه المنصوب أن يقدر فيه محذوف، أي مكثه المباح أن يمكث ثلاثاً. اهـ
فالمقصود الترخيص له بالإقامة في مكة بعد قضاء نسكه ثلاث ليال كأقصى حد مسموح به، يصرح الراوي بذلك في الرواية الأولى بقوله "كأنه يقول لا يزيد عليها".
-[فقه الحديث]-
قال القرطبي المراد بهذا الحديث من هاجر من مكة إلى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل فيه من هاجر من غير مكة إلى المدينة، لأن الحديث جاء جواباً عن سؤالهم لما تحرجوا من الإقامة بمكة إذ كانوا قد تركوها لله تعالى، فأجابهم بذلك، وأعلمهم أن الإقامة ثلاث ليال ليست بإقامة. اهـ قال القاضي عياض واتفق الجميع على أن الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم، وأن سكنى المدينة كان واجباً، وفي هذا الحديث حجة لمن منع المهاجر قبل الفتح من المقام بمكة بعد الفتح، قال وهو قول الجمهور، وأجاز لهم جماعة بعد الفتح، مع الاتفاق على وجوب الهجرة عليهم قبل الفتح، ووجوب سكنى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومواساتهم له بأنفسهم، وأما غير المهاجر، ومن آمن بعد ذلك فيجوز له سكنى أي بلد أراد، سواء مكة وغيرها بالاتفاق. اهـ
قال القرطبي والخلاف الذي أشار إليه القاضي عياض كان فيمن مضى، وهل ينبني هذا الخلاف