للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

آمناً} [إبراهيم: ٣٥]. وامتن الله على قريش بقوله: {أولم نمكن لهم حرماً آمناً} [القصص: ٥٧]. {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} [قريش: ٣، ٤]. وبقوله {أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم} [العنكبوت: ٦٧].

ولم يقتصر هذا الأمن على الإنسان، بل تعداه إلى الحيوان والطير والشجر حتى الشوك، لا يسفك فيه دم ولا ينفر صيده، ولا يصاد، ولا يقتل حيوانه، اللهم إلا الفواسق الخمس، العقرب والحدأة والفأرة والغراب والكلب العقور.

ولقد فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام ثمانية من الهجرة ودخل بجيوشه حاملين أسلحتهم بإذن ربهم، أذن الله له لنشر دينه، وإعلاء كلمته، وأحل له هذا الحرم جزءاً من نهار، من طلوع الشمس إلى صلاة العصر، ثم أعلن للناس عودة حرمته إلى ما كانت عليه. وحذر من أن يأتي أحد بعده يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل وقُتل في مكة، فالقتل والقتال فيها مباحان. حذر من ذلك كل التحذير، ونبه أنها لم تحل لأحد قبله، ولا تحل لأحد بعده، وإنما أحلت له صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها كما كانت. وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشير بذلك إلى ما سيحدث بعده، وما حدث على يد الحجاج بن يوسف الثقفي حين غزا مكة لقتال عبد الله بن الزبير، وضرب الكعبة نفسها بالمنجنيق، حتى تهدمت.

فاللهم إن هذا الحرم حرمك، والبلد بلدك، والأمن أمنك وأنا عبدك وابن أمتك، اللهم زد هذا الحرم تكريماً وتشريفاً وتعظيماً ومهابة وبراً، وزد من كرمه وشرفه وعظمه، بحج أو عمرة تكريماً وتشريفاً وتعظيماً ومهابة وبراً.

-[المباحث العربية]-

(يوم الفتح -فتح مكة) أل في "الفتح" للعهد، وقد أكد الراوي الفتح المعهود وزاده بياناً، بقوله "فتح مكة" ويوم الفتح متعلق بقال، والظاهر أن هذا القول لم يكن في يوم الفتح نفسه، ففيه مجاز التوسع، ففي الرواية الثانية "الغد من يوم الفتح" وفي الرواية الثالثة "لما فتح الله .... قام في الناس" وفي الرواية الرابعة "عام فتح مكة".

(لا هجرة) أي بعد الفتح. قال النووي قال العلماء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، وفي تأويل هذا الحديث قولان. أحدهما لا هجرة بعد الفتح من مكة، لأنها صارت دار إسلام وإنما تكون الهجرة من دار الحرب، وهذا يتضمن معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تبقى دار الإسلام، لا يتصور منها الهجرة.

الثاني: معناه لا هجرة بعد الفتح تساوي في فضلها الهجرة قبل الفتح، كما قال تعالى {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: ١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>