للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المشقة. قال النووي: وفي لغة قليلة بضم الجيم، وأما الجهد بمعنى الطاقة فبضمها على المشهور، وحكي فتحها. وفي الرواية الواحدة والعشرين "لا يصبر أحد على لأوائها فيموت" وفي الرواية السادسة والعشرين "لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد" وفي الرواية السابعة والعشرين "من صبر على لأوائها وشدتها" وفي الرواية الثامنة والعشرين "لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي".

(إلا كنت له شفيعاً -أو شهيداً- يوم القيامة) قال النووي: قال القاضي عياض: قال بعض شيوخنا: "أو" هنا للشك، والأظهر عندنا أنها ليست للشك، لأن هذا الحديث رواه جابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك، وتطابقهم فيه على صيغة واحدة، بل الأظهر أنه صلى الله عليه وسلم قال هكذا، فإما أن يكون أعلم بهذه الجملة هكذا، وإما أن يكون "أو" للتقسيم، ويكون "شهيداً" لبعض أهل المدينة، وشفيعاً لبقيتهم، إما شفيعاً للعاصين، وشهيداً للمطيعين، وإما شهيداً لمن مات في حياته، وشفيعاً لمن مات بعده، أو غير ذلك. قال القاضي: وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعالمين في القيمة، وعن شهادته على جميع الأمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: أنا شهيد على هؤلاء. فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزيد أو زيادة منزلة وحظوة. قال: وقد يكون "أو" بمعنى الواو، فيكون لأهل المدينة شفيعاً وشهيداً، قال: وقد روي "إلا كنت له شهيداً أو له شفيعاً" قال: وإذا جعلنا "أو" للشك -كما قال المشايخ- فإن كانت اللفظة الصحيحة "شهيداً" اندفع الاعتراض، لأنها زائدة على الشفاعة المدخرة المجردة، وإن كانت اللفظة الصحيحة "شفيعاً" فاختصاص أهل المدينة بهذا مع ما جاء من عمومها وادخارها لجميع الأمة أن هذه شفاعة أخرى غير العامة التي هي لإخراج أمته من النار، ومعافاة بعضهم منها بشفاعته صلى الله عليه وسلم في القيامة، وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة بزيادة الدرجات، أو تخفيف الحساب، أو بما شاء الله من ذلك، أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة، كإيوائهم إلى ظل العرش، أو كونهم في ردح وعلى منابر، أو الإسراع بهم إلى الجنة، أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعضهم دون بعض. والله أعلم.

(ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء) وفي الرواية السادسة والثلاثين "من أراد أهل هذه البلدة بسوء -يعني المدينة- أذابه الله كما يذوب الملح في الماء" قال القاضي: قد يكون المراد من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كفى المسلمون أمره، واضمحل كيده، كما يضمحل الرصاص في النار، وقد يكون في اللفظ تأخير وتقديم، أي أذابه الله ذوب الرصاص في النار، ويكون ذلك لمن أرادها في الدنيا فلا يمهله الله، ولا يمكن له سلطان، بل يذهبه عن قرب، كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية، مثل مسلم بن عقبة، فإنه هلك في منصرفه عنها، ثم هلك يزيد بن معاوية مرسله، على إثر ذلك، وغيرهما ممن صنع صنيعهما، وقيل: قد يكون المراد من كادها اغتيالاً وطلباً لغرتها في غفلة فلا يتم له أمره، بخلاف من أتى ذلك جهاراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>