للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قالوا: يا رسول الله) القائل واحد: ونسب القول للمجموع لرضاهم به وموافقتهم عليه، فأحدهم قائل فعلا، والآخرون قائلون حكما، وفي رواية البخاري "قيل: يا رسول الله" بالبناء للمجهول.

(وهل يشتم الرجل والديه؟ ) "يشتم" -بكسر التاء- والاستفهام استبعادي، والمعنى: نستبعد أن يشتم الرجل والديه، وفي رواية البخاري "وكيف يلعن الرجل والديه" ففيها استبعاد وتعجب وسؤال عن كيفية وقوع هذا الأمر العجيب.

(يسب أبا الرجل) في هذه الرواية إضمار الفاعل، وفي رواية البخاري بإظهاره، ولفظها "يسب الرجل أبا الرجل" والاستفهام عن الشتم والجواب بالسب والمراد منهما واحد هنا.

(ويسب أمه فيسب أمه) ظاهر هذه الرواية أن سب الأب يؤدي إلى سب الأب، وسب الأم يؤدي إلى سب الأم، وهو واضح وكثير، وراوية البخاري " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه" وظاهرها أن سب الأب يؤدي إلى سب الأب والأم زيادة من المسبوب، وهو كثير الوقوع أيضا.

-[فقه الحديث]-

لا خلاف في أن سب الوالدين والتسبب في سبهما من أفراد عقوق الوالدين، ولا خلاف في أن العقوق من الكبائر، ولكن المشكل رواية البخاري التي تصرح بأن من أكبر الكبائر التسبب في شتم الوالدين، فإذا كان التسبب في شتمهما من أكبر الكبائر، فكيف يكون حكم مباشرة شتمهما؟ لهذا كانت رواية مسلم أقرب إلى الحكم الصحيح فالتسبب في شتمهما من الكبائر، ومباشرة شتمهما من أكبر الكبائر، إذ ليس فعل السبب كفعل المسبب على كل حال، وهو لم يقصد شتم أبيه، فلا يأخذ حكم من شتمه قاصدا، ويمكن توجيه رواية البخاري بأن لفظ "أكبر" نسبي، فما هو من أكبر الكبائر قد يوجد ما هو أكبر منه، فالتسبب من أكبر الكبائر ومباشرة الشتم أكبر منه.

وإنما كان شتم الوالدين من أكبر الكبائر، لأن شتم الأجنبي كبيرة وشتم الوالدين أقبح منه فيكون من أكبر الكبائر.

-[ويؤخذ من الحديث]-

١ - سد الذرائع.

٢ - وأن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل، وإن لم يقصد إلى ما يحرم، والأصل في ذلك قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [الأنعام: ١٠٨].

٣ - وأن من تسبب في شيء جاز أن ينسب إليه ذلك الشيء.

٤ - وفيه جعل فعل السبب كفعل المسبب فيمنع بيع العنب لمن يتخذه خمرا، والحرير لمن يلبسه، والسلاح لمن يقطع به الطريق.

<<  <  ج: ص:  >  >>