و"تكفئ" بفتح التاء وسكون الكاف وكسر الفاء مضارع كفأ، يقال: كفأت الإناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه، من باب ضرب وفيه "أكفأ" و"لتكفأ" مع الفتح، وجاء في رواية "لتكفئ" بضم التاء وسكون الكاف وكسر الفاء، مضارع أكفات وهي أيضاً بمعنى أملته، ويقال: بمعنى كببته، والصحفة في الأصل إناء كالقصعة المبسوطة، وفي رواية للبخاري "لتستفرغ صحفتها" وهذا مثل يراد به رغبتها في حرمان أختها من حظوظها من زوجها لتستأثر، سواء لتستأثر به دونها، فتكون كمن قلبت إناء أختها في إنائها، أو لتحرمها فقط، فتكون كمن قلبت إناء أختها على الأرض أو في إناء أخرى غير مقصودة، ويصح أن يكون الكلام على سبيل الاستعارة التمثيلية، بأن نشبه النصيب والبخت بالصحفة، وحظوظها وتمتعاتها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة، ونشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة، ثم ندخل المشبه في جنس المشبه به، ثم نحذف المشبه، ونعبر بالمشبه به.
وفي المراد بالمرأة وأختها أقوال للعلماء. قيل: معنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تغوي رجلاً بها وأن تسأله طلاق زوجته، وأن يتزوجها هي، فالمراد بالأخت الأخت من النسب أو الرضاع أو الدين، قال النووي: ويلحق بذلك الكافرة في الحكم، وإن لم تكن أختاً في الدين، إما لأن المراد الغالب، أو أنها أختها في الجنس الآدمي.
وقيل: معنى الحديث نهي الزوجة أن تسأل زوجها طلاق ضرتها، لتنفرد هي به.
وقيل: معنى الحديث النهي عن أن تشترط زوجة جديدة على زوجها حين زواجها منه أن يطلق زوجته التي في عصمته، ويساعد هذا القول رواية أبي نعيم في المستخرج، وهي بلفظ "لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكفئ إناءها" وكذا أخرجه البيهقي، ويميل البخاري إلى هذا القول حيث ذكر الحديث تحت باب الشروط التي لا تحل في النكاح.
أما قوله "ولتنكح" فقد روي بكسر اللام وسكونها على أنها لام الأمر، والفعل مجزوم وروي بكسر اللام للتعليل، ونصب الفعل، والمعنى -على القول الثالث من أقوال المراد بالمرأة وأختها- لا تسأل ولا تشترط طلاق أختها، ولتنكح ذلك الرجل من غير أن تتعرض لإخراج زوجته من عصمته، بل تكل الأمر في ذلك إلى ما يقدر الله، فإنها إن سألت ذلك واشترطته وألحت فيه فإنه لا يقع من ذلك إلا ما قدره الله، فينبغي أن لا تتعرض هي لهذا المحظور. أو المعنى ولتنكح غيره، فلم تضيق الأرض على هذا الرجل، أو المعنى بما يشمل الأمرين، أي ولتنكح مما تيسر لها، هو أو غيره. والمعنى على التعليل: لا تسأل ولا تشترط طلاق أختها لتكفئ صحفتها ولتنكح الرجل وتحل محلها.
أما الضمير في قوله:"فإنما لها ما كتب لها" فيحتمل أن يكون للسائلة، والمعنى فإن للسائلة ما كتب لها قدراً وأزلاً، ولن يغير سؤالها من إرادة الله شيئاً، فإن كان هذا الزوج المسئول مكتوباً لها فستناله، سألت طلاق أختها أم لم تسأل، وإن لم يكن مكتوباً لها فلن يفيد سؤالها شيئاً، ويحتمل أن يكون الضمير للأخت المسئول طلاقها، والمعنى: لا تتعب السائلة نفسها في طلب طلاق أختها، فإن لأختها ما قدر لها، فإن كان مكتوباً لها أن تطلق فستطلق بالسؤال أو بغيره، وإن كان مكتوباً لها