فإذا انقضت عدتها تزوجتها. فقال عبد الرحمن: بارك الله في أهلك ومالك، لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع. قال: دلوني عليه، فدلوه، فخرج إلى السوق، فباع واشترى، فأصاب شيئاً من أقط وسمن، وتزوج، وصار من الأغنياء الموسرين: قال أنس: فلقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف. قال الحافظ: مات عن أربع نسوة، فيكون الثمن أربعمائة ألف فتكون تركته ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف رضي الله عنه.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: في الحديث دليل على أنه يستحب ألا ينعقد النكاح إلا بصداق، لأنه أقطع للنزاع، وأنفع للمرأة، من حيث أنه لو حصل طلاق قبل الدخول وجب نصف المسمى، فلو لم تكن تسمية لم يجب صداق، بل تجب المتعة، ولو عقد النكاح بلا صداق صح، قال الله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة}[البقرة: ٢٣٦]. فهذا تصريح بصحة النكاح والطلاق من غير مهر، ثم يجب لها المهر؛ وهل يجب بالعقد أم بالدخول؟ فيه خلاف مشهور، وهما قولان للشافعي، أصحهما بالدخول، وهو ظاهر هذه الآية. وفي هذا الحديث أنه يجوز أن يكون الصداق قليلاً وكثيراً مما يتمول، إذا تراضى به الزوجان، لأن خاتم الحديد نهاية من القلة، وهذا مذهب الشافعي، وهو مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف، قال القاضي: وهو مذهب العلماء كافة من الحجازيين والبصريين والكوفيين والشاميين وغيرهم. وقال مالك: أقله ربع دينار، كالنصاب. قال القاضي: هذا مما انفرد به مالك، وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقله عشرة دراهم، وقال ابن شبرمة: أقله خمسة دراهم. اعتباراً بنصاب القطع في السرقة عندهما، وكره النخعي أن يتزوج بأقل من أربعين درهماً، وقالوا في سر قياسه على حد السرقة: إنه عضو آدمي محترم، فلا يستباح بأقل من كذا، قياساً على يد السارق، وتعقبه الجمهور بأنه قياس في مقابل النص، فلا يصح، وبأن اليد تقطع وتبين، ولا كذلك الفرج، وبأن القدر المسروق يجب على السارق رده مع القطع، ولا كذلك الصداق، وأن اليد قطعت في السرقة نكالاً للمعصية، والنكاح مستباح.
ثم قال النووي: وهذه المذاهب سوى مذهب الجمهور مخالفة للسنة، وهم محجوجون بهذا الحديث الصحيح الصريح. اهـ قال ابن العربي عن المالكية: لا شك أن خاتم الحديد لا يساوي ربع دينار، وهذا لا جواب عنه لأحد، ولا عذر فيه. اهـ
وحاول بعض المالكية الجواب عن هذا الإشكال بأجوبة منها: قوله "ولو خاتماً من حديد" خرج مخرج المبالغة في طلب التيسير عليه، ولم يرد عين الخاتم الحديد، ولا قدر قيمته حقيقة، لأنه لما قال: لا أجد شيئاً عرف أنه فهم أن المراد بالشيء ما له قيمة، فقيل له: ولو أقل ماله قيمة، كخاتم الحديد، ومثله "تصدقوا ولو بظلف محرق، ولو بفرسن شاة" مع أن الظلف والفرسن لا ينتفع به، ولا يتصدق به.
ومنها: احتمال أنه طلب منه ما يعجل نقده قبل الدخول، لا أن ذلك جميع الصداق، وهذا جواب ابن القصار، وهذا يلزم منه الرد عليهم. حيث استحبوا تقديم ربع دينار أو قيمته قبل الدخول، لا أقل.