فبعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد. ثم دفعها إلى أمي فقال "أصلحيها" قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر. حتى إذا جعلها في ظهره نزل. ثم ضرب عليها القبة فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان عنده فضل زاد فليأتنا به" قال: فجعل الرجل يجيء بفضل التمر وفضل السويق. حتى جعلوا من ذلك سواداً حيساً. فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس. ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء. قال: فقال أنس: فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها. قال: فانطلقنا، حتى إذا رأينا جدر المدينة هششنا إليها. فرفعنا مطينا. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته. قال: وصفية خلفه قد أردفها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فعثرت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصرع وصرعت. قال: فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها. حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترها. قال: فأتيناه فقال: "لم نضر" قال: فدخلنا المدينة. فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها.
-[المعنى العام]-
جاء الإسلام والرق منتشر بين البشرية، لا تستغنى عنه أمة من الأمم، لأن القوة بين قبائل الإنسانية كانت هي الحكم والفصل، يغير القوي على الضعيف، فماذا يسلب من الضعيف إن لم يكن عنده مال؟ فكان النساء والذرية ضريبة الهزيمة، وثمن الحرب يدفعه المغلوب للغالب عنوة وقهراً. حتى كاد نصف المجتمعات يكون رقيقاً للنصف الآخر، إما بالرق الحقيقي والامتلاك، وإما بالرق السياسي والخضوع والذلة والرسوخ تحت الحماية.
ونقول: إن الإسلام جاء على مجتمعات يكثر الرق فيها كثرة كبيرة وعادية، فأقره كوضع قائم مؤقت، وفتح له منافذ وطرق الحرية الإنسانية، كبيت ورثه وارث مغلق الحوائط، لا يخرج منه الهواء الفاسد ليدخل بدله الهواء النظيف، فكان علاجه فتح الحوائط والنوافذ، حتى لا يبقى بالداخل شيء فاسد إلا خرج، ففتح للرقيق والأسير باب الفداء، وباب المكاتبة، وباب العتق لأم الولد.
وجعل الإسلام عتق الرقبة كفارة لليمين، وللظهار، وللقتل الخطأ، ولأخطاء دينية أخرى، ثم حض على عتق الرقاب ابتغاء الأجر والثواب الأخروي، ولتخطي عقبة النار، {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة}[البلد: ١١ وما بعدها]. وهذه صورة مشرقة من صور حرص الإسلام على حرية الرقيق، ودعوة إلى الإسراع في تحريره. لقد أشرنا إلى أن الأمة إذا وطئت بملك اليمين فولدت صارت أم ولد، لا يجوز بيعها ولا هبتها حيث يعتقها ولدها بمجرد وفاة سيدها، فهل يحرص الإسلام على بقائها مملوكة حتى يتوفى عنها سيدها، أم يفتح لها باباً عاجلاً للحرية؟ .