وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه، لكن كيف؟ وماذا يقول الناس؟ يقولون: إن محمداً تزوج امرأة من كان ابنه؟ ليكن يا محمد، وليقل الناس ما يقولون، فهذه هي الوسيلة القوية الأكيدة لإبطال عقيدة التبني عملياً بعد إبطالها نظرياً -وأخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الإلهي في نفسه حتى يحكم الله بنفاذه، وقال لزيد:{أمسك عليك زوجك واتق الله} ولما استحالت العشرة بين زينب وزيد، وأراد الله تنفيذ ما قضاه طلقها زيد، واعتدت، ولما انتهت العدة صدر الأمر الإلهي بتزويجها لمحمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً}[الأحزاب: ٣٧].
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: فاذكرها علي) أي اخطبها لي من نفسها، واذكرني راغباً في زواجها، واذكر اسمها زوجة لي، داخلة علي. عجباً ثم عجباً. من كان زوجها منذ قليل هو الذي يخطبها؟ ولم فعل الرسول ذلك؟ نعم لئلا يظن أحد أن طلاقها قد وقع منه قهراً بغير رضاه، وليظهر ما عنده منها، هل بقي شيء من حبه لها؟ "قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها" أي خطبها أو طلبها، و"أن رسول الله" مجرور بحرف جر محذوف، أي لأن رسول الله طلبها، والمعنى أنه هابها وقدسها وعظمها من أجل إرادة النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها، فعاملها معاملة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الإعظام والمهابة والإجلال.
(فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي) أي التفت عنها، ووليتها ظهري لئلا أراها، وبعدت عنها قليلاً، احتراماً وتقديراً، وفي رواية "فقلت: يا زينب. أبشري. أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك".
(ما أنا بصانعة شيئاً حتى أوامر ربي) أي ما أنا بمجيبة على هذا المطلب بنعم أو بلا، حتى أطلب أمر ربي وانشراحي للأمر أو عدمه، عن طريق صلاة الاستخارة التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ونزل القرآن) بقوله تعالى {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها}
(فدخل عليها بغير إذن) لأن الله تعالى زوجه إياها بهذه الآية.
(ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار) أي ارتفع، في الرواية الخامسة "فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار" وفي الرواية السادسة في قصة زواج زينب "فصنعت أمي أم سليم حيساً" -من تمر وأقط وسمن- "فجعلته في تور" بفتح التاء وسكون الواو إناء مثل القدح، أو ما يسمى عندنا بالشفشق. وفي الرواية السابعة "في تور من حجارة" وفي رواية للبخاري "فعمدت إلى تمر وسمن وأقط، فاتخذت حبيسة" -أي طعاماً محبوساً- "في برمة، فأرسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إليه، فقال لي: ضعها. ثم أمرني فقال: ادع لي" في الرواية السادسة "ادع لي فلاناً وفلاناً وفلاناً ومن لقيت"، وسمى رجالاً. قال: فدعوت من سمى ومن لقيت -زهاء ثلاثمائة بضم الزاي وفتح الهاء- أي نحو ثلاثمائة، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس. هات التور. قال: فدخلوا،