فتأبى عليه" قال ابن أبي جمرة: الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع، ويقويه قوله "الولد للفراش" أي لمن يطأ في الفراش. وظاهر قوله في الرواية الأولى "إذا باتت" وقوله "حتى تصبح" وقوله في الرواية الثالثة "فبات غضبان عليها" أن هذا الوعيد خاص بمن وقع ذلك منها ليلاً، لأن الليل هو المعد لذلك غالباً لما فيه من قوة البواعث، فلا يتأتى هذا الوعيد بالذات فيمن وقع منها ذلك نهاراً، لكن لا يلزم منه رفع الحرج عنها، وعدم وقوعها في المعصية كلية، بل تكون عاصية مستحقة لوعيد آخر، كالذي في الرواية الثانية "سخط الذي في السماء" وليس اللعن. ويمكن أن يراد هذا الوعيد في عموم الليل والنهار، ويكون الباعث على ذكر الليل كونه مظنة ذلك غالباً، وليس المراد مطلق الهجر، بل الهجر والامتناع بدون عذر مقبول شرعاً، قال النووي. وليس الحيض بعذر في الامتناع، لأن له حقاً في الاستمتاع بها فوق الإزار.
وفي الرواية الثالثة "فبات غضبان عليها" قال الحافظ ابن حجر: بهذه الزيادة يتجه وقوع اللعن، لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك، فإنه يكون إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك.
(لعنتها الملائكة حتى تصبح) في ملحق الرواية الأولى "حتى ترجع" وفي الرواية الثانية "حتى يرضى عنها" والمعنى أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية، بطلوع الفجر، وانتهاء وقت الحاجة إليها، وحصول الاستغناء عنها، أو بتوبتها ورجوعها إلى الفراش، أو بوقوع الرضى عنها، والمقصود باللعن هنا الدعاء بالطرد، والمراد من الملائكة الحفظة، وقيل: غيرهم ويحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلاً بذلك. قال الحافظ ابن حجر: ويرشد إلى تعميم الملائكة قوله [في الرواية الثانية] "الذي في السماء" اهـ. أي الخلق الذي في السماء، ويمكن أن يراد به الله تعالى من قبيل قوله تعالى {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض}[الملك: ١٦].
-[فقه الحديث]-
روى ابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً "ثلاثة لا تقبل لهم صلاة، ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة، العبد الآبق حتى يرجع، والسكران حتى يصحو، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى" وروى الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما -رفعه "اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما. عبد آبق، وامرأة غضب عليها زوجها حتى ترجع" وصححه الحاكم.
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
١ - تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، أما لو بدأ هو بهجرها ظالماً لها فهجرت فلا يقع عليها هذا الوعيد.
٢ - قال المهلب: فيه أن منع الحقوق [في الأبدان والأموال] يوجب سخط الله تعالى، إلا أن يتغمدها الله بعفوه.