تطيب نفسي أن يراني معتمدة على هذا الإرضاع لو حصل فرضاً، كما قالت في الرواية الثالثة عشرة "فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة" أي لو فرض حصولها، ولن تحصل "ولا رائينا" أي ولا نمكنه من أن يرانا.
(وعندي رجل قاعد) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، وأظنه ابناً لأبي القعيس. اهـ
أقول: ولا أظنه ابناً لأبي القعيس، إذ لو كان كذلك لكان محرماً لها دون إنكار من النبي صلى الله عليه وسلم فقد أقر صلى الله عليه وسلم في الباب قبله أبوة أبي القعيس من الرضاع لعائشة، فابنه أخوها من الرضاع دون نقاش.
(فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه) في رواية البخاري "فكأنه تغير وجهه، كأنه كره ذلك" وفي رواية أبي داود "فشق ذلك عليه، وتغير وجهه" وفي رواية "فقال: يا عائشة. من هذا"؟ .
(انظرن إخوتكن من الرضاعة) في رواية البخاري "انظرن من إخوانكن"؟ والمراد من النظر التفكر والتأمل، والمعنى تأملن ما وقع من ذلك، هل هو رضاع صحيح بشرطه؟ من وقوع ذلك في زمن الرضاع؟ ومقدار الارتضاع؟ أو لا؟ فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يتبع شروطاً. قال المهلب: معناه انظرن ما سبب هذه الأخوة.
(فإنما الرضاعة من المجاعة) أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة، وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلاً، يسد اللبن جوعته، لأن معدته ضعيفة، يكفيها اللبن، وينبت بذلك لحمه، فيصير كجزء من المرضعة، فيشترك في الحرمة مع أولادها، فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة، أو المطعمة من المجاعة، وقال أبو عبيد: معناه أن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع، لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع.
-[فقه الحديث]-
تتعرض أحاديث الباب إلى نقطتين أساسيتين: الأولى: مقدار الرضاعة المحرم، الثانية: زمن الرضاعة المحرم. ثم ما يؤخذ من الأحاديث بعد ذلك.
أما عن النقطة الأولى فالخلاف فيها متشعب، والأدلة فيها متعارضة.
١ - المذهب الأول: يحرم قليل الرضاع وكثيره، وهو قول الجمهور، حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر، وابن عباس وعطاء وطاوس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد، وهو قول مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث، وهو المشهور عند أحمد.
واستدلوا (أ) بعموم قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة}[النساء: ٢٣]. ولم يذكر فيه عدد للرضعات.