للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني أن ما دون الخمس لا يحرم، فتعارض المفهومان، وحديث الخمس جاء من طرق صحيحة، وحديث المصة والمصتين جاء من طرق صحيحة أيضاً. لكن حديث عائشة عند عبد الرزاق "أن ما دون الخمس لا يحرم" منطوق يرجح المفهوم.

ويعترض الجمهور على الشافعية بأن حديث عائشة "خمس رضعات" روايتنا السادسة والسابعة لا يحتج به عند الشافعية أنفسهم، بناء على قواعدهم، لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد، وإذا لم يثبت قرآناً لم يثبت الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن خبر الواحد إذا توجه إليه قادح يوقف عن العمل به.

٥ - وجاء عن عائشة أيضاً: سبع رضعات، أخرجه ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير عنها.

٦ - وجاء عنها أيضاً: عشر رضعات، أخرجه مالك في الموطأ، قال الحافظ ابن حجر: وعن حفصة كذلك.

والذي تستريح إليه النفس مذهب الشافعية، فهو وسط بين هذه المذاهب، وتؤيده الأحاديث الكثيرة المشهورة. والله أعلم.

النقطة الثانية زمن الرضاعة المحرم. قال النووي: واختلف العلماء في هذه المسألة، فقالت عائشة وداود: تثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ، كما تثبت برضاع الطفل.

قال الحافظ ابن حجر: وكذا نقل القرطبي عن داود أن رضاع الكبير يفيد رفع الاحتجاب منه. وحكاية هذا القول عن داود فيها نظر، فإن ابن حزم ذكر عن داود أنه مع الجمهور، وكذا نقل غيره من أهل الظاهر، وهم أخبر بمذهب صاحبهم، وإنما الذي نصر مذهب عائشة هذا، وبالغ في ذلك هو ابن حزم، ونقله عن علي، وهو من رواية الحارث الأعور عنه، ولذلك ضعفه ابن عبد البر، وقال عبد الرزاق عن ابن جريج: قال رجل لعطاء: إن امرأتي سقتني من لبنها بعد ما كبرت. أفأنكحها؟ قال: لا. قال ابن جريج: فقلت له: هذا رأيك؟ قال: نعم. كانت عائشة تأمر بذلك بنات أختها. اهـ وهو يشير بذلك إلى ما أخرجه أبو داود، ولفظه "فكانت عائشة تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها ويراها، وإن كان كبيراً خمس رضعات، ثم يدخل عليها" قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح وهو قول الليث بن سعد. قال ابن عبد البر: لم يختلف عنه في ذلك.

وذكر الطبري في تهذيب الآثار، في مسند علي هذه المسألة، وساق بإسناده الصحيح عن حفصة مثل قول عائشة قال الحافظ: وهذا مما يخص به عموم قول أم سلمة "أبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة" روايتنا الثالثة عشرة. فالقول بالجواز ليس خاصاً بعائشة ثم داود.

وذهب الجمهور على اعتبار الصغر في الرضاع المحرم، لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة: ٢٣٣]. ولحديث ابن عباس رفعه "لا رضاع إلا ما كان في الحولين" أخرجه الدارقطني، ولحديث ابن مسعود "لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم" أخرجه أبو داود، ولروايتنا الرابعة عشرة "فإنما الرضاعة من المجاعة" أي لا رضاعة معتبرة إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>