قال الشافعية: والفرق بين الزوجة - حتى تصير بالعقد فراشا - وبين الأمة حيث لا تصير بعقد الملك فراشا أن الزوجة تراد للوطء خاصة، فجعل الشارع العقد عليها كالوطء، لأنه هو المقصود، وأما الأمة فإنها تراد لملك الرقبة وأنواع أخرى من المنافع غير الوطء، ولهذا يجوز أن يملك أختين، ويملك أما وبنتها، ولا يجوز أن يجمع بينهما بعقد النكاح، فلم تصر الأمة بنفس عقد الملك فراشا، فإذا حصل الوطء صارت كالحرة، وصارت فراشا.
وفي حديثنا حكم النبي صلى الله عليه وسلم لعتبة بالغلام، وألحق ذلك بقوله "الولد للفراش" وبهذا حكم بأن وليدة زمعة كانت فراشا لزمعة. فمن أين هذا الحكم؟ .
قال النووي: ثبوت فراشه إما ببينة أقامها عتبة على إقرار أبيه بذلك في حياته، وإما بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - فيه دلالة للشافعي ومالك على أبي حنيفة، في شرطه أن لا تصير الأمة فراشا إلا إذا ولدت ولدا واستلحقه، فإنه لم يكن لزمعة ولد آخر من هذه الأمة قبل هذا، فدل على أنه ليس بشرط.
٢ - فيه دليل للشافعي وموافقيه على مالك وموافقيه على استلحاق الوارث نسبا لمورثه، بشرط أن يكون حائزا للإرث، أو يستلحقه كل الورثة، وبشرط أن يمكن كون المستلحق ولدا للميت، وبشرط أن لا يكون معروف النسب من غيره، وبشرط أن يصدقه المستلحق إن كان عاقلاً بالغًا، وهذه الشروط كلها موجودة في هذا الولد، الذي ألحقه النبي صلى الله عليه وسلم بزمعة حين استلحقه عبد بن زمعة.
وخص مالك وطائفة الاستلحاق بالأب، وأجابوا عن الحديث بأن الإلحاق فيه لم ينحصر في استلحاق "عبد" لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على موجب آخر بوجه من الوجوه، كاعتراف زمعة بالوطء، وقالوا: أجمعوا على أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عن المسألة، فأعلمهم أن الحكم كذا، بشرط أن يدعى صاحب الفراش، لا أنه قبل دعوى سعد عن أخيه عتبة، ولا دعوى عبد بن زمعة عن زمعة، بل عرفهم أن الحكم في مثلها يكون كذا، ولذلك قال:"احتجبي منه يا سودة" وتعقب بأن قوله في بعض الروايات "هو أخوك" يدفع هذا التأويل.
فإن قيل: إن شرط حيازة "عبد" للتركة غير محقق، فإن زمعة كان له ورثة غير "عبد"؟ أجيب بأنه لم يخلف وارثا غيره إلا سودة، فإن كان زمعة قد مات كافرا فلا يرثه إلا "عبد" وحده، لأن سودة لا ترث، لاختلاف الدين، وعلى تقدير أن يكون أسلم، وورثته سودة فيحتمل أن تكون وكلت أخاها في ذلك، أو شاركته في الدعوى، وادعت هي أيضا.
٣ - واستدل به على أن القائف إنما يعتمد على الشبه إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يلتفت هنا إلى الشبه، والتفت إليه في قصة زيد بن حارثة، وكذا لم يحكم بالشبه في قصة الملاعنة، لأنه عارضه حكم أقوى منه، وهو مشروعية اللعان.
٤ - تمسك بعموم "الولد للفراش" بعض المالكية، قال الحافظ ابن حجر: وهو شاذ، ونقل عن الشافعي أنه قال: لقوله "الولد للفراش" معنيان. أحدهما هو له ما لم ينفه، فإذا نفاه بما شرع كاللعان انتفى عنه. الثاني: إذا تنازع رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش.