١ - ما جبل عليه النساء من الغيرة، وأن الغيراء تعذر فيما يقع منها من الاحتيال، فيما يدفع عنها ترفع ضرتها عليها بأي وجه كان. كذا قال الحافظ ابن حجر. وفيه نظر، لأن القصة لم تعذر، بل عاتبت، بل عاقبت، لأن قدرهن عظيم. قال الكرماني: هذا من مقتضيات الغيرة الطبيعية للنساء، وهو صغيرة، معفو عنها، مكفرة.
٢ - استنبط منه البخاري كراهية احتيال المرأة مع الزوج والضرائر.
٣ - أن الاحتيال غالبًا فيه تعريض بالكذب. قال ابن المنير: إنما ساغ لهن أن يقلن: أكلت مغافير؟ لأنهن أوردنه على طريق الاستفهام، بدليل جوابه بقوله "لا" وأردن بذلك التعريض، لا صريح الكذب، فهذا وجه الاحتيال التي قالت عائشة "لنحتالن له" ولو كان كذبًا محضًا لم يسم حيلة، إذ لا شبهة لصاحبه. اهـ وهذا كلام جيد يفسر كونهن ارتكبن مكروهًا، ولم يرتكبن محرمًا.
٤ - وفيه الأخذ بالحزم في الأمور، وترك ما يشتبه الأمر فيه من المباح، خشية الوقوع في المحذور. قاله الحافظ ابن حجر.
٥ - وفيه ما يشهد بعلو مرتبة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت ضرتها تهابها، وتطيعها فيما تأمرها به، حتى في مثل هذا الأمر مع الزوج، الذي هو أرفع الناس قدرًا.
٦ - وفيه إشارة إلى ورع سودة، لما ظهر منها من التندم على ما فعلت، لأنها وافقت أولاً على دفع ترفع حفصة عليهن بمزيد الجلوس عندها بسبب العسل، ورأت أن التوصل إلى بلوغ المراد ذلك، لحسم مادة شرب العسل الذي هو سبب الإقامة، لكن أنكرت بعد ذلك أن يترتب عليه منع النبي صلى الله عليه وسلم من أمر كان يشتهيه، وهو شرب العسل، مع ما تقدم من اعتراف عائشة الآمرة لها بذلك في صدر الحديث، فأخذت سودة تتعجب مما وقع منهن في ذلك، ولم تجسر على التصريح بالإنكار، ولا راجعت عائشة بعد ذلك لما قالت لها: اسكتي، بل أطاعتها وسكتت، لما تقدم من اعتذارها في أنها كانت تهابها، وإنما كانت تهابها لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر منهن، فخشيت إذا خالفتها أن تغضبها، وإذا أغضبتها لا تأمن أن تغير عليها خاطر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تحتمل ذلك. فهذا معنى خوفها منها. كذا قال الحافظ ابن حجر، وهو كلام حسن في تلمس الاعتذار عن سودة رضي الله عنها لكن لا يدل على ورعها، وورعها ثابت بغير هذا، وإن دل قولها "لقد حرمناه" على شيء فإنما يدل على إشفاقها عليه صلى الله عليه وسلم وندمها لا يعتبر ورعًا، بل يرجى به أن يمحو الصغيرة، ولعله أدى مهمته، فهي لم تدخل في المتظاهرتين المعاتبتين بالقرآن الكريم.
٧ - وفيه أن عماد القسم الليل. وأن النهار يجوز الاجتماع فيه بالجميع، لكن بشرط ألا تقع المجامعة إلا مع التي هي صاحبة النوبة.
٨ - وفيه استعمال الكنايات فيما يستحيا من ذكره، لقولها "فيدنو منهن" والمقصود التقبيل ونحوه.
٩ - وفيه جواز أكل لذيذ الأطعمة والطيبات من الرزق، وأن ذلك لا ينافي الزهد والمراقبة.
١٠ - وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وصبره وحلمه وجميل معاشرته لأزواجه.