مختلفة، وبيئات مختلفة، وأسر مختلفة، وأسنان مختلفة، فيهن الصغيرة التي تعيش ما بين العاشرة والثامنة عشرة من عمرها. وكبيرة السن التي تقضي ما بين الخمسين والستين من عمرها، كلهن متزوجات قبله برجال آخرين إلا واحدة. كلهن عشن مع أزواجهن السابقين عيشة الحياة العادية، عشن مع أزواج في ريعان شبابهن، وبحياة الجاهلية وأعرافها وتقاليدها، بعضهن من أسر عالية الحسب، كأم حبيبة بنت أبي سفيان زعيم قريش، وبعضهن من أسر متواضعة، بعضهن ابنة أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم وبعضهن ابنة من كان أعدى أعدائه، وقائد محاربيه، إحداهن ابنة عمته، وبعضهن من قبائل اليهود، بعضهن جميلات يتيه بهن الحسن، وبعضهن غير ذات جمال. كيف يمكن لهذا الخليط غير المتجانس، أن يتعايش في أمن وأمان، على هيئة ضرائر، يتنازعن رجلاً واحدًا؟ وكيف يستطيع رجل أن يسوس تسعًا مختلفات المشارب، متباينات الأهواء؟ وأكثر الرجال يعجز أمام سياسة امرأة واحدة؟ حقًا إنه صلى الله عليه وسلم فريد في أخلاقه، فريد في حكمته، فريد في قدرته وتحمله، فريد في صبره، فريد في حلمه، فريد في عدله، فريد في عفوه، فريد في عطائه، فريد في حسن معاشرته.
يخطئ من يظن أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن على طبائع غير طبائع النساء العاديات، نعم إنهن بمجرد انتسابهن إلى بيت النبوة، وبمجرد استظلالهن بظل الرسول صلى الله عليه وسلم، وبمجرد تشريفهن بلقب أمهات المؤمنين، وجب عليهن ما لم يجب على بقية النساء، وصار لهن من الحقوق فوق ما لغيرهن من الزوجات، صارت السيئة منهن مضاعفة العقاب، والحسنة منهن مضاعفة الثواب {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء}[الأحزاب: ٣٢]. {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين}[الأحزاب: ٣٠]. {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين}[الأحزاب: ٣١] من هنا كانت الصغيرة منهن كبيرة، وكان ما يقبل من غيرهن لا يليق بمقامهن، وكان ما عددناه عليهن لا نعده ولا نحسبه شيئًا من غيرهن. فماذا يا ترى وقع منهن؟ وكيف عالجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بالخير زوجته الأولى خديجة أمام عائشة، ويترحم عليها، ويدعو لها، فتثور عائشة، وتغار من خديجة وهي في قبرها، فتقول: خديجة؟ خديجة؟ خديجة؟ كأنه لم يكن في الأرض إلا خديجة؟ ما تذكر من عجوز شمطاء، حمراء الشدقين - أي سقطت أسنانها - هلكت في غابر الدهر. قد أبدلك الله خيرًا منها. فيقول صلى الله عليه وسلم في هدوء الحكيم: كلا. والله ما أبدلني الله خيرًا منها. صدقتني حين كذبني الناس، وآوتني حين هجرني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقت منها الولد وحرمتموه.
وتعتز عائشة بأنها وحدها التي تزوجها بكرًا، وتتعالى على أخواتها أمهات المؤمنين بذلك، وتحاول أن تزيد من استئثارها به فوق ما كان يحبها، فتقول: يا رسول الله، أرأيت لو نزلت واديًا فيه شجر قد رعي، وشجر لم يرع، في أيها ترتع بعيرك؟ فيقول: في الشجر الذي لم يرع. فتقول: فأنا هيه، كل واحدة من نسائك كانت عند رجل غيرك. إلا أنا. فيبتسم صلى الله عليه وسلم.
وتخرج هي وحفصة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فتدفعها الغيرة أن تظن أنه صلى الله عليه وسلم