إليها علة، يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا، فقد يكون للتشريع حكمة لا نعلمها، كتقبيل الحجر الأسود، ويقال له: حكم تعبدي وقد يكون ما نعلم جزء حكمة، وليس كل الحكمة، كما في تشريع عدة الزوجية إذا انتهى رباط الزوجية بطريقة أو بأخرى هل هي استبراء الرحم، والتأكد من عدم الحمل عند الحائل؟ وتفريغ توابع الزوج عند الحامل؟ لو كانت كذلك لما وجبت على العجوز اليائسة من الحمل، والتي يقرر الأطباء بشكل يصل إلى اليقين أنها لا تحمل. هل هي لحرمة عقد الزواج، ووجود فسحة بين الزوج الأول والثاني لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا؟ أو هي مجموع الأمرين؟ أو هي مجموع الأمرين مع التعبد.
ظاهر حديث سبيعة الذي نحن بصدده أن العدة لاستبراء الرحم من الزوج السابق، لئلا تختلط الأنساب، ولئلا يسقى ولد الرجل السابق بماء الرجل اللاحق، وبخاصة إذا لم يكن هناك أمل أن يحدث الله بين الزوجين بعد ذلك أمرًا من عودة أو رجعة، فهذه سبيعة مات عنها زوجها، وهي حامل، فولدت بعد ليال من وفاته، وكانت تقرأ قوله تعالى {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}[الطلاق: ٦] فلما وضعت اعتقدت أنها حلت للأزواج، فتزينت وتهيأت للخطاب، فرآها أحد الرجال الذين يرغبون في الزواج منها وهي لا ترغبه، فقال لها: لا يحل لك أن تتزوجي قبل أربعة أشهر وعشر، مصداقًا لقوله تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا}[البقرة: ٢٣٤] يرجو بذلك أن تتريث لعلها ترضى به، وكانت تعتقد أن الآية في غير الحوامل، وصدق فهمها، إذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: قد حللت للأزواج بوضعك، فتزوجي إن شئت.
وبقي التساؤل: إذا كانت العدة لاستبراء الرحم، ولإعطاء فرصة للزوجين انتظارًا لأن يحدث الله بعد ذلك أمرًا، فلم كانت عدة الحائل المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا، ولم تكن ثلاثة قروء في أقل من ثلاثة أشهر، كما في الطلاق؟ فإن قلنا: إن زيادة المتوفى عنها زوجها على المطلقة للإشعار بمظهر من مظاهر الحزن والأسى على الزوج الراحل فلم لم يراع ذلك في الحامل التي كسبيعة، وهي أولى بإظهار الحزن من غير الحامل، لبقاء أثر الزوج السابق، ووجود شيء من العلاقة به، وهو ابنه؟ وبقي التساؤل، ولا جواب له عندي إلا أن يكون تعبدًا، والله أعلم.
-[المباحث العربية]-
(عن سبيعة - رضي الله عنها)"سبيعة" بضم السين، تصغير سبع، بنت الحارث الأسلمي، من المهاجرات.
(كانت تحت سعد بن خولة) أي كانت زوجة له.
(وهو في بني عامر بن لؤي) قال النووي: هكذا هو في النسخ "في بني عامر" بالفاء، وهو صحيح، ومعناه ونسبه في بني عامر، أي هو من بني عامر. اهـ. قال الحافظ ابن حجر: وثبت فيه أنه كان من حلفائهم.