للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما الزوجة المتوفى زوجها فقد أوجب عليها أن تبتعد عن الزينة بأنواعها، وعن مظاهر التنعم، وأن تعلن عن الحزن بالبعد عن الطيب والكحل والثياب الملونة والمزركشة مدة العدة التي أوجبها الله، وزادها عن عدة المطلقة، تقديسًا لرباط الزوجية، ووفاء لزوج لم يعد يدافع عن حقه، ومما هو واقع أن الزوجة التي كانت تكفر العشير في دنياه، وتنكر فضل زوجها وهو حي، تذكر فضله بعد مماته، وقد تنسى أو تتناسى مثالبه وعيوبه وشروره، ومما هو واقع أيضًا أن هذه الزوجة تحرص كل الحرص على أن تظهر للناس وفاءها لزوجها، وأن زوجها الراحل لا يعوضه أي رجل آخر، وأنها حزينة عليه حزنًا لا يساويه حزن، وأنها لن تفكر في غيره، وأنها ستبكيه الدهر كله، وستلبس عليه الحداد ما بقي لها من حياة، من هنا حرص الشارع على أن يمنع زيادة مدة الحداد، ولم يأمر بالحداد نفسه، لأنه واقع، ومبالغ فيه غالبًا، فكان التوجيه الشرعي أنه لا يحل ولا يجوز لزوجة تؤمن بالله وبقضائه وقدره، وتؤمن باليوم الآخر، وأجر المحتسبين الصابرين فيه، أن تزيد في الإحداد عما هو مقدر، على ميت غير زوج ثلاثة أيام بلياليها، وعلى الزوج أربعة أشهر وعشرًا، واستجابت النساء المسلمات لأوامر الشرع، وكان المثل الأعلى والقدوة الحسنة أمهات المؤمنين، فلم تكن مدة الحداد المقدرة تنتهي حتى تسارع المصابة إلى نقض مظاهرها، وتغيير حالة الحزن الظاهرية، وإن بقي الحزن في قلبها، فكانت تسارع بالتطيب ولبس الثياب المعتادة، اتباعًا لأوامر الشرع الحنيف.

-[المباحث العربية]-

(الإحداد) والحداد مشتق من الحد، وهو المنع، ومنه سميت العقوبة حدًا، لأنها تمنع وتردع عن المعصية، والإحداد امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب، في بدنها أو ثيابها، لمنع الخطاب من خطبتها والطمع فيها، وامتناعها عن كل ما كان من دواعي النكاح، وله تفاصيل مشهورة في كتب الفقه، يقال: أحدت المرأة من الرباعي، تحد بضم التاء وكسر الحاء، إحدادًا، ويقال: حدت المرأة، من الثلاثي، تحد بفتح التاء، وبضم الحاء وكسرها، حدًا، كذا قال جمهور أهل اللغة. وقال أبو حاتم: لم يعرف الأصمعي "حدت" الثلاثي وأنكره، ولم يعرف إلا الرباعي.

(عن زينب بنت أبي سلمة) وهي بنت أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: ولدتها أمها بأرض الحبشة، وقيل: ولدتها بالمدينة عقب استشهاد أبيها أبي سلمة، وتزوجت عبد الله بن زمعة بن الأسود، فولدت له، وكانت من أفقه نساء زمانها.

(دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان) ابن حرب، والد معاوية، وفي الرواية السادسة "لما أتى أم حبيبة نعي أبي سفيان" و"نعي" بسكون العين وتخفيف الياء، وبكسر العين وتشديد الياء، أي خبر موته.

قال الحافظ ابن حجر: مات أبو سفيان بالمدينة بلا خلاف بين أهل العلم بالأخبار، فرواية البخاري "لما جاء نعي أبي سفيان من الشام" أظنها وهما. والذي جاء نعيه من

<<  <  ج: ص:  >  >>