للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم قال: وتحصيل القول في ذلك أن المغشوش إن تعذر تخليص الغش منه، كالخبز الناقص، واللبن بالماء، والثوب الخفيف النسيج، والجلد الدنيء الدبغ، فمن كان ذلك بيده يريده لنفسه ترك له، وإن كان لبيعه، ولم يقصد به الغش، كمن اشتراه ليبيعه، أو كان من صنعته وغلبته الصنعة، أو ذكر وجها يعذر به، بيع عليه بعد البيان ممن يستعمله لنفسه، أو يوضع عند أمين ليباع على ذلك، وإن قصد به الغش يؤدب ويخرج من السوق ليرتاح المسلمون منه، وقيل: بحرق الثياب والجلد، واختار بعضهم أن يحسب ما غش به من نقص كيل أو وزن أو غير ذلك من أنواع الغش، ويتصدق به عن أربابه، ويؤدب بقدر اجتهاد الحاكم. اهـ.

وليس الغش قاصرا على البيع والشراء، فإنه كذلك يكون في الزواج بإبراز المخطوبة القبيحة الهيئة في صورة الجميلة، ومن بها عيب في صورة السليمة، والفقيرة في هيئة الغنية، والمنحطة خلقيا في إطار المهذبة الفاضلة، ثم بإبراز الزوج الخاطب بأنه من ذوي الحسب والنسب والمركز الاجتماعي المرموق وهو ليس على شيء من ذلك.

كما يكون في الامتحان بإبراز الجاهل في صورة العالم أمام المصححين وبإبراز المفلسين والمهملين في صورة الأذكياء المجدين.

كما يكون في الوظائف العامة والأعمال الخاصة، وفي كل المعاملات بإخفاء القبح وإبراز الحسن غير الحقيقي على سبيل التغرير والخداع.

وإنما قرن الغش بالبيع والشراء لأنه أكثر ما يكون فيه، وإذا وجبت نصيحة المسلم والشفقة عليه، والسعي فيما يعود نفعه عليه، وكف وجوه الأذى عنه، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وجب عليه أن يبين عيوب سلعته لمن يريد شراءها، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".

-[ويؤخذ من الحديث]-

١ - تغليظ حرمة الغش ووجوب تبيين العيوب عند البيع.

٢ - أن واجب أئمة المسلمين تفقد حالهم وأمورهم -ولو في الأسواق- وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

٣ - استدل به بعضهم على أن للإمام أن يذهب إلى السوق بنفسه ليشتري ما يحتاج إليه. بل ذهب بعضهم إلى أن ذلك مندوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما يفعل الأرجح، وفي هذا الاستدلال نظر، إذ ليس في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل السوق للشراء، وعلى فرض صحته فقد يفعل الشيء لبيان الجواز نعم يستدل به على جواز دخول الإمام والولاة وعظماء المسلمين الأسواق، وليس في ذلك ما يجرح الكرامة، أو يخل بالمروءة.

والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>