النخل والعنب خاصة، إذ هي رخصة، لكن حكم العنب حكم النخل في معظم الأبواب. وقال مالك: تجوز على جميع الأشجار، لأن سبب الجواز الحاجة والمصلحة، وهذا يشمل الجميع، فيقاس عليه، وهو قول للشافعي.
وسيأتي بقية مباحثها في الباب التالي.
٢ - وقد يكون كراء الأرض لسقي ورعاية ما عليها من أشجار، وزراعة الأرض الخالية، وهذا ما يعرف بالمزارعة التابعة للمساقاة، وأجازها الشافعي وموافقوه، وهم الأكثرون، فتجوز عندهم المزارعة تبعًا للمساقاة، وإن كانت المزارعة عندهم لا تجوز منفردة، فيساقيه على النخل، ويزارعه على الأرض، وحجتهم ما جرى في خيبر. وقال مالك: لا تجوز المزارعة، لا منفردة، ولا تبعًا، إلا ما كان من الأرض بين الشجر. وقال أبو حنيفة وزفر: المزارعة والمساقاة فاسدتان، سواء جمعهما أو فرقهما، ولو عقدتا فسختا. وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وسائر الكوفيين وفقهاء المحدثين وأحمد وابن خزيمة وابن شريح وآخرون: تجوز المساقاة والمزارعة مجتمعتين، وتجوز كل واحدة منهما منفردة.
قال النووي: وهذا هو الظاهر المختار، لحديث خيبر، ولا يقبل دعوى كون المزارعة في خيبر إنما جازت تبعًا للمساقاة، بل جازت مستقلة، ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة، قياسًا على القراض، فإنه جائز بالإجماع، وهو كالمزارعة في كل شيء، ولأن المسلمين في جميع الأعصار والأمصار مستمرون على العمل بالمزارعة.
ثم قال: وأما الأحاديث السابقة في النهي عن المخابرة فمحمولة على ما إذا شرطًا لكل واحد قطعة معينة من الأرض. وقد صنف ابن خزيمة كتابًا في جواز المزارعة، واستقصى فيه وأجاد، وأجاب عن أحاديث النهي.
٣ - وقد يكون كراء الأرض الخالية من الأشجار لزراعتها ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك، وهو ما يعرف عند بعض فقهاء الشافعية بالمزارعة، ويعرف عندهم - إذا كان البذر من العامل - بالمخابرة، والبعض الآخر من فقهاء الشافعية يرون أن المزارعة والمخابرة بمعنى واحد، زراعة الأرض ببعض ما يخرج منها مطلقًا.
وقد أجازهما أحمد في رواية، ومن الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي.
قال البخاري: وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع، وزارع علي وسعد بن مالك وعبد الله بن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين، وعامل عمر الناس على: إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا، وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما، فينفقان جميعًا، فما خرج فهو بينهما، ورأى ذلك الزهري، وقال ابن حزم: وممن أجاز إعطاء الأرض بجزء مسمى مما يخرج منها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وحذيفة ومعاذ رضي الله عنهم، وهو قول ابن أبي ليلى وسفيان الثوري والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن المنذر، وأجازها أحمد