للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحديدة أمطلها، إذا مددتها لتطول، وقيل: المطل المدافعة. والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر.

والغني مختلف في تقديره، وفي الباب السابق بيان له عند تفسير الموسر والمعسر، والمراد منه هنا من قدر على الأداء فأخره، ولو كان فقيرًا، وهل يتصف بالمطل من ليس عنده ما عليه، لكنه قادر على تحصيله بالكسب، فلم يتكسب؟ خلاف يأتي في فقه الحديث.

وفي رواية عند غير مسلم "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" واللي بفتح اللام وتشديد الياء هو المطل، والواجد الموسر.

(وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) المشهور في الرواية واللغة في "أتبع" ضم الهمزة وإسكان التاء وكسر الباء، مبني للمجهول، والأصل إذا اتبع المدين أحدكم، وأما "فليتبع" فالأكثر على التخفيف، سكون التاء وفتح الباء، فيكون مثل: إذا أخرج أحدكم فليخرج. وحكى القاضي عياض عن بعض المحدثين أنه يشدد التاء ويكسر الباء في "فليتبع". قال النووي: والصواب الأول، والمعنى إذا أحيل أحدكم بالدين الذي له على موسر فليحتل، أي فليقبل الحوالة، والمليء بالهمزة مأخوذ من الملاء، يقال: ملؤ الرجل - بضم اللام - أي صار مليًا، وقال الكرماني: الملي كالغني لفظًا ومعنى، فاقتضى أنه بغير همز، وليس كذلك، فقد قال الخطابي: إنه في الأصل بالهمز، ومن رواه بتركها فقد سهله.

وادعى الرافعي أن جملة "وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" لا تعلق لها بالجملة الأولى. قال الحافظ ابن حجر: وزعم بعض المتأخرين أنه لم يرد إلا بالواو، وغفل عما في صحيح البخاري هنا، فإنه بالفاء في جميع الروايات، وهو كالتوطئة والعلة لقبول الحوالة، أي إذا كان المطل ظلمًا فليقبل من يحتال بدينه عليه، فإن المؤمن من شأنه أن يحترز عن الظلم، فلا يمطل، ومناسبة الجملة لما قبلها - على رواية الواو - أنه لما دل على أن مطل الغني ظلم عقبه بأنه ينبغي قبول الحوالة على المليء، لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل، فإنه قد تكون مطالبة المحال عليه سهلة على المحتال، دون المحيل، ففي قبول الحوالة إعانة على كفه عن الظلم.

-[فقه الحديث]-

الحوالة عند الفقهاء نقل دين من ذمة إلى ذمة، واختلفوا: هل هي بيع دين بدين، رخص فيه للحاجة، فاستثنى من النهي عن بيع الدين بالدين؟ أو هي استيفاء، ولا بيع فيها؟ أي استيفاء حق كأن المحتال استوفى ما كان له على المحيل، وأقرضه المحال عليه، أو هي عقد إرفاق مستقل؟ ويشترط في صحتها رضا المحيل بلا خلاف، لأن له إيفاء الحق من حيث شاء، فلا يعين عليه بعض الجهات قهرًا، ورضا المحتال، عند الأكثرين، لأن حقه في ذمة المحيل، فلا ينفك عن ذمة المحيل إلا برضاه، كما أن الأعيان المستحقة للشخص لا تبدل إلا برضاه، أما رضا المحال عليه ففيه خلاف. إن كانت الحوالة على من عليه دين للمحيل فيشترط رضاه عند أبي حنيفة وبعض الشافعية، لأنه أحد

<<  <  ج: ص:  >  >>