قال النووي: قال أصحابنا: يجب بذل فضل الماء بالفلاة بشروط: أحدها ألا يكون ماء غيره يستغنى به، الثاني: أن يكون البذل لحاجة الماشية، لا لسقي الزرع. الثالث: ألا يكون مالكه محتاجًا إليه. ثم قال: واعلم أن المذهب الصحيح أن من نبع في ملكه ماء صار مملوكًا له، وقال بعض أصحابنا: لا يملكه. أما إذا أخذ الماء في إناء من الماء المباح فإنه يملكه. هذا هوالصواب، وقد نقل بعضهم الإجماع عليه، وقال بعض أصحابنا: لا يملكه، بل يكون أخص به. وهذا غلط ظاهر. اهـ.
وبذل الماء المأمور به محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة، وكذلك في الموات، إذا كان بقصد التملك، والصحيح عند الشافعية، ونص عليه في القديم أن الحافر يملك ماءها، أما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق، لا للتملك فإن الحافر لا يملك ماءها، بل يكون أحق به، إلى أن يرتحل، وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته، والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته. هذا هو الصحيح عند الشافعية، وخص المالكية هذا الحكم بالموات، وقالوا في البئر التي في الملك: لا يجب عليه بذل فضلها، أما الماء المحرز في إناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح.
والبذل الواجب خاص بالماشية والآدميين على الصحيح عند الشافعية والحنفية، وفرقوا بين الماشية والزرع بأن الماشية ذات أرواح، يخشى من عطشها موتها، بخلاف الزرع، ويلتحق بالماشية الزرع عند مالك، واستدل بعموم روايتنا الأولى، والجمهور يحملون المطلق على المقيد، أو يحملون النهي في هذه الرواية على التنزيه.
وظاهر الحديث وجوب البذل مجانًا بدون مقابل، وبه قال الجمهور، وقيل: لصاحب الماء طلب القيمة من المحتاج إليه، كما في إطعام المضطر، ورد بأنه يلزم منه جواز المنع، حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة، وأجيب بأن يقال: يجب عليه البذل، وتترتب له القيمة في ذمة المبذول له، حتى يكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ذلك نعم يعارض هذا القول روايتنا الخامسة، ولفظها "لا يباع فضل الماء" لكن للمخالف أن يقول: إن البيع الممنوع ما كان لبيع الكلأ.
واستدل به ابن حبيب من المالكية على أن البئر إذا كانت بين مالكين، فيها ماء، فاستغنى أحدهما في نوبته كان للآخر أن يسقي منها، لأنه ماء فضل عن حاجة صاحبه، وعموم الحديث يشهد له، وإن خالفه الجمهور على أساس أن الزرع عندهم لا يلتحق بالماشية.
واستدل به بعض المالكية للقول بسد الذرائع، لأنه نهى عن منع الماء لئلا يتذرع به إلى منع الكلأ.
ولا يخفى أن الكلام في وجوب البذل وعدم وجوبه. أما البذل كإحسان ومكارم الأخلاق فمطلوب في جميع الأحوال، بالنسبة للماء المملوك في الأواني وفي غيرها، وللزرع وغيره. واللَّه أعلم.
أما عن ضراب الفحل فقد قال النووي: اختلف العلماء في إجارة الفحل وغيره من الدواب