للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو ثالث، وسواء كان الكشف بالكتابة أو بالرمز أو بالإيماء، وسواء كان المنقول قولا أو فعلا، وسواء كان عيبا أو لا، حتى لو رأى شخصا يخفي ماله لنفسه فأفشى كان نميمة.

قال: وكل من حملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك أو يفعل فيك كذا، فعليه ستة أمور:

الأول: ألا يصدقه، لأن النمام فاسق.

الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبح له فعله.

الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من أبغضه الله تعالى.

الرابع: ألا يظن بأخيه الغائب السوء.

الخامس: ألا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك.

السادس: ألا يرضى لنفسه ما نهي النمام عنه فلا يحكي نميمته عنه فيقول: فلان حكى لي كذا فيصير به نماما، ويكون آتيا ما نهى عنه. اهـ.

قال الإمام النووي: وكل هذا المذكور في النميمة إذا لم يكن فيها مصلحة شرعية، فإن دعت حاجة إليها فلا منع منها، وذلك كما إذا أخبره بأن إنسانا يريد الفتك به أو بأهله، أو بماله، أو أخبر الإمام، أو من له ولاية بأن إنسانا يفعل كذا، ويسعى بما فيه مفسدة، ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك وإزالته.

فكل ذلك وما أشبهه ليس بحرام، وقد يكون بعضه واجبا وبعضه مستحبا. على حسب المواطن. اهـ.

ومع أن النميمة كبيرة من الكبائر إلا أنها قد يكون المقول فيه كافرا فلا تحرم، كما أنه يجوز التجسس في بلاد الكفار، ونقل أخبارهم التي تفيد المسلمين.

أما أنها كبيرة فلما رواه البخاري عن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال "يعذبان وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير، كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة" ولقوله تعالى في الصفات الذميمة: {هماز مشاء بنميم} [القلم: ١١] قال الراغب: همز الإنسان اغتيابه، والنم إظهار الحديث بالوشاية.

واختلف في الغيبة والنميمة، هل هما متغايرتان أو متحدتان؟ قال الحافظ ابن حجر:

والراجح التغاير، وأن بينهما عموما وخصوصا وجهيا، وذلك لأن النميمة: نقل حال الشخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه، سواء كان بعلمه، أو بغير علمه، والغيبة: ذكره في غيبته بما لا يرضيه، فامتازت النميمة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه، واشتركتا فيما عدا ذلك.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام" ففيه التأويلان المتقدمان في نظائره.

<<  <  ج: ص:  >  >>