يستقيم مع الجزء الأول، والمستقيم مع الجزأين معًا هو التفسير الأول والثاني، ويؤيدهما حديث "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - قال النووي: احتج بعضهم بهذا الحديث على أن العقل في القلب، لا في الرأس، وفيه خلاف مشهور، ومذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب، وقال أبو حنيفة: هو في الدماغ، وقد يقال: في الرأس، وحكوا الأول أيضًا عن الفلاسفة، والثاني عن الأطباء قال المازري: واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها}[الحج: ٤٦] وقوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب}[ق: ٣٧] وبهذا الحديث، فإنه صلى الله عليه وسلم جعل صلاح الجسد وفساده تابعًا للقلب، مع أن الدماغ من جملة الجسد، فيكون صلاحه وفساده تابعًا للقلب، فعلم أن الدماغ ليس محلاً للعقل، واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل، ويكون من فساد الدماغ الصرع في زعمهم، ولا حجة لهم في ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ، مع أن العقل ليس فيه، ولا امتناع من ذلك. فقال المازري: لا سيما على أصولهم في الاشتراك الذي يذكرونه بين الدماغ والقلب، وهم يجعلون بين الرأس والمعدة والدماغ اشتراكًا. اهـ.
والحق أن هذا الخلاف لا يستقيم بعد ثبوت الحقائق العلمية التشريحية بأن القوة المدركة العاقلة في الرأس، لا في القلب، أما الآيات والأحاديث التي أسندت التفكير للقلب فمن السهل توجهيها، إذ الأمور قد تنسب للسبب البعيد على الحقيقة، وللسبب القريب المباشر على الحقيقة أيضًا، فتقول: قطع الجزار اللحم، وتقول: قطع السكين اللحم، ولا شك أن القلب مصدر الحياة لجميع أعضاء الجسم، ومنها الدماغ.
٢ - وفي الحديث تأكيد السعي نحو إصلاح التفكير، وحمايته من الفساد.
٣ - استدل به ابن المنير على جواز بقاء المجمل بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: وفي الاستدلال بذلك نظر، إلا إن أراد أنه مجمل في حق بعض دون بعض.
٤ - استدل به البخاري على أن الاستبراء للعرض والدين من أمور الإيمان.