شيء يوصي فيه، فلا تشرع لمن له مال قليل، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن من لم يكن عنده إلا اليسير التافه من المال، أنه لا تندب له الوصية، قال الحافظ ابن حجر: وفي نقل الإجماع نظر، فالثابت عن الزهري أنه قال: جعل الله الوصية حقًا فيما قل أو كثر، والمصرح به عند الشافعية ندبية الوصية، من غير تفريق بين قليل وكثير، وقد يستدل بقوله "ما حق امرئ" والمرء هو الرجل، على أن الصبي المميز لا تصح وصيته، وقد ذهب إلى ذلك الحنفية والشافعي في أظهر قوليه، وصحح وصيته مالك وأحمد والشافعي في قول، وقيد أحمد صحة وصيته ببلوغه سبع سنين، وعنه عشر سنين.
٢ - الوصية بالثلث، والوصية للوارث: أما الوصية بالثلث فقد قال النووي: أجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازة الوارث، وأجمعوا على نفوذها في جميع المال [أي إذا أجازوها]، وأما من لا وارث له فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا تصح وصيته فيما زاد على الثلث، وجوزه أبو حنيفة وأصحابه وإسحق وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما. اهـ.
واستدلوا بقوله "إنك إن تذر ورثتك أغنياء" فمفهومه أن من لا وارث له، لا يبالي بالوصية بما زاد، لأنه لا يترك ورثة، يخشى عليهم الفقر.
وتعقب من الشافعية هذا الاستدلال بأنه ليس تعليلاً محضًا، وإنما هو تنبيه على الأحظ الأنفع، إذ لو كان تعليلاً محضًا لاقتضى جواز الوصية بأكثر من الثلث، لمن كانت ورثته أغنياء، ولنفذ ذلك عليهم بغير إجازتهم، ولا قائل بذلك، وعلى تقدير أن يكون تعليلاً محضًا، فهو للنقص عن الثلث، لا للزيادة عليه، فكأنه لما شرع الإيصاء بالثلث، وأنه لا يعترض به على الموصي، إلا أن الحط عنه أولى، ولا سيما لمن يترك ورثة غير أغنياء، فنبه سعدًا على ذلك.
كما استدلوا بأن الوصية مطلقة بالآية، فقيدتها السنة بمن له وارث، فيبقى من لا وارث له على الإطلاق، وتعقب بأن الآية منسوخة، كما سبق.
أما الوصية للوارث فقد أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي أمامة "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته في حجة الوداع" إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" وروي هذا الحديث من وجوه أخرى، قال الحافظ ابن حجر عنها: مجموعها يقتضي أن للحديث أصلاً، لكن الحجة في الإجماع على مقتضاه، كما صرح الشافعي، والمراد بعدم صحة الوصية للوارث عدم اللزوم، لأن الأكثرين على أنها موقوفة على إجازة الورثة.
وأما قول النووي: أجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث، إلا بإجازة الورثة، لعله يريد بالعلماء علماء الشافعية، وحجتهم بأن المنع إنما كان في الأصل لحق الورثة، فإذا أجازوه لم يمتنع، لكن بعض العلماء قالوا: لا تصح الوصية للوارث ولا لغير الوارث بما زاد على الثلث ولو أجازت الورثة. وبه قال المزني وداود، وقواه السبكي، واحتج له بحديث عمران بن حصين، في الذي أعتق ستة أعبد، فإن فيه عند مسلم "فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، قولاً شديدًا" وفسر