للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[المعنى العام]-

النذر عهد يقطعه الإنسان على نفسه، ويلتزمه، ولم يكن من قبل لازمًا، وكانت العرب قبل الإسلام تنذر القرابين لأصنامها، وكانت تعتبر الوفاء بالنذر نوعًا من المروءة والشهامة والنجدة والأصالة والمعالي والمفاخر، فلما جاء الإسلام محض النذر لله، وجعله عهدًا لله وحده بشيء من الأشياء، لما مدح القرآن الكريم الوفاء بالنذر، وجعله من صفات الأبرار، أكثر المسلمون من النذر، حتى خيل لبعضهم أن الله يعطي من أجل النذر، وأن المقدور يتغير من شر إلى خير بسبب النذر، وأصبح المنذور في مخيلتهم كبدل ومقابل للفضل والعطاء، وأصبحت الطاعات التي تنذر ليست متمحضة للقربة والعبادة، بل كالعوض على أمر ومصلحة، بحيث لو لم تحصل للناذر هذه المصلحة لا يؤدي هذه الطاعة، فمن قال: إن شفى الله مريضي تصدقت بشاة، لم يتصدق بها إن لم يشف الله مريضه.

ولما كان الإسلام حريصًا على خلوص الطاعات من الشوائب نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال لأصحابه: لا تنذروا، فإن النذر لا يغير مما قدر لكم شيئًا، إن النذر يجعل العبادة ثقيلة على صاحبها، إنه أشبه بإلزام البخيل بإخراج شيء لم يكن يريد أن يخرجه من تلقاء نفسه، أطيعوا الله ابتداء وطواعية، ولا تطلبوا للطاعة مقابلاً.

ومع ذلك. من نذر منكم أن يطيع الله وجب أن يوفي بنذره، وأن يطيعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه، من نذر منكم طاعة فمات قبل أن يوفي نذره المالي قضى عنه ورثته نذره، فإن نفسه ستكون مرهونة بوفاء نذره.

وعلم صلى الله عليه وسلم أن امرأة نذرت أن تذبح الناقة التي أسعفتها بالنجاة من أعدائها، فقال: بئس هذا الصنيع. بئست هذه المجازاة، هل جزاء الإحسان الإساءة، إن إيذاء المحسن معصية، ولا نذر في معصية، ثم إن هذه الناقة ليست ملكها، ولا نذر فيما لا يملكه الإنسان.

ورأى صلى الله عليه وسلم رجلا عجوزًا حطامًا، يمشي بين ولديه، تجر رجلاه في الأرض، يتمايل ذات اليمين، وذات الشمال، يتحامل على ابنه هذا مرة، وعلى ابنه الثاني أخرى، فقال: ما هذا؟ ما شأنه؟ قال ولداه: نذر أن يزور الكعبة ماشيًا، ولا يستطيع الوفاء إلا هكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه. مروه فليركب.

وسئل صلى الله عليه وسلم عن امرأة نذرت أن تحج ماشية حافية، فأمر أن تلبس نعلها وأن تركب. وصدق الله العظيم إذ يقول: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: ١٢٨].

-[المباحث العربية]-

(استفتى سعد بن عبادة في نذر كان على أمه) قيل: كان نذرًا بطاعة مطلقًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>