واحتج الجمهور بأن عقد اليمين، لما كان يحله الاستثناء، وهو كلام، فلأن تحله الكفارة، وهي فعل مالي أو بدني من باب أولى.
وقال ابن حزم: أجاز الحنفية تعجيل الزكاة قبل الحول، وتقديم زكاة الزرع، وأجازوا تقديم كفارة القتل، قبل موت المجني عليه. اهـ أي فيلزمهم القول بجواز تعجيل كفارة اليمين، قيل الحنث. والله أعلم.
-[ويستفاد من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - من قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى والثالثة "إني واللَّه - إن شاء الله - لا أحلف على يمين .... " الاستثناء في اليمين، فإذا قال: لأفعلن كذا إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله، أو لا أفعل كذا إن شاء الله، أو إن أراد الله، أو إن اختار الله، فقد استثنى، وقد اتفقوا على أن من قال ذلك، وقصد به التبرك فقط، ففعل، يحنث، وإن قصد الاستثناء فلا حنث عليه، واتفقوا على دخول الاستثناء في كل ما يحلف به، إلا الأوزاعي، فقال: لا يدخل في الطلاق والعتق والمشي إلى بيت الله، وكذا جاء مثله عن مالك وطاووس، وعن أحمد: يدخل الجميع إلا العتق.
٢ - وجواز الحلف من غير استحلاف، لتأكيد الخبر، ولو كان مستقبلاً.
٣ - وفي الحديث أن تعمد الحنث في مثل ذلك يكون طاعة، لا معصية.
٤ - وفي حمله صلى الله عليه وسلم للأشعريين تطييب قلوب الأتباع، واستدراك جبر خاطر السائل.
٥ - ومن قوله: "والله لا أحملكم" جواز اليمين عند المنع.
٦ - ورد السائل الملحف عند تعذر الإسعاف.
٧ - وتأديبه بنوع من الإغلاظ بالقول.
٨ - ومن قولهم "لا يبارك الله لنا" أن من أخذ شيئًا، يعلم أن المعطي لم يكن راضيًا بإعطائه لا يبارك له فيه.
٩ - أخذ بعضهم من قوله "إلا كفرت عن يميني" أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك التكفير، وروي عن الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر أصلاً، لأنه مغفور له، وإنما نزلت كفارة اليمين تعليمًا للأمة.
١٠ - ومن قوله "ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم" إزالة المنة عن المعطي، بإضافة النعمة لمالكها الأصلي.
١١ - ومن الرواية الثالثة إباحة لحم الدجاج، إنسيه ووحشيه.
١٢ - وإباحة ملاذ الأطعمة والطيبات.
١٣ - ومن قوله "فدعا بمائدته" استخدام الكبير من يباشر له نقل طعامه، ووضعه بين يديه، قال القرطبي: ولا يناقض ذلك الزهد، ولا ينقصه، خلافًا لبعض المتقشفة، قال الحافظ ابن حجر: والجواز ظاهر، وأما كونه لا ينقص الزهد، ففيه وقفة.