وقصة هذا الحديث تحكي مدى ما وصل إليه اليهود من المادية ولتجدنهم أحرص الناس على حياة وأحرص الناس على المال، وارتكاب أفظع الجنايات من أجل عرض حقير.
هذا يهودي يسكن الجزيرة العربية، ويجاور المسلمين بالمدينة، يرى صبية صغيرة، لم تبلغ الحلم، تبتعد قليلاً عن العمران، ربما كانت ترعى بعض غنمها، يراها وعليها بعض الحلي الفضية، حلق وخلخال مثلاً، بل ربما أسورة وقلادة، وماذا يساوي هذا القدر من الفضة؟ لكنه في نظر اليهودي كنز يضحي من أجله بالكثير، ربما حاول إغراء الصبية وخداعها لتعطيه حليها بوجه أو بآخر، ففشل، وربما حاول خلع حليها من أطرافها فامتنعت، وقاومت فلجأ إلى القوة، مستغلاً انقطاع الساحة من البشر، وخلوها ممن يمكن أن ينجد المسكينة، مهما صرخت واستغاثت، لقد أمسك حجرًا كبيرًا فضربها على رأسها، فسقطت برأسها على الأحجار، مغشيًا عليها، فسلبها ما على جسدها من حلي، وخاف أن تفيق فتبلغ عنه، فحملها وألقاها في بئر، ولم يكتف بذلك بل أخذ يرجمها بالحجارة، حتى ظن أنها فارقت الحياة. فانصرف، وتركها. وأفاقت يسيل دمها، وجراحها تؤلمها، فصرخت وصرخت، وسمعها أحد المارة، فأخرجها من البئر، وحملها إلى أهلها بالمدينة، الذين حملوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشد منقذها عن مكان حادثتها، والقوم يعرفون من يتردد على هذا المكان، أو من يسكنه، فأرشدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسماء أناس، تنحصر الشبهة فيهم، فعرضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها واحدًا واحدًا، لكنها لا تستطيع الكلام مما بها، فكانت تشير برأسها حين يذكر لها الاسم: ليس هو، حتى ذكر اسم قاتلها، فأشارت بنعم، فجيء به، وضيق عليه الخناق، فأقر وأعترف، وقام بتمثيل ما فعله بها، فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فربطت رأسه إلى حجر كبير، ثم رجمت رأسه بالحجارة حتى مات. جزاء وفاقا {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}[البقرة: ١٩٤].
{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}[النحل: ١٢٦]{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}[البقرة: ١٧٩].
-[المباحث العربية]-
(أن يهوديًا قتل جارية) الجارية تطلق على الحرة والأمة، في سن الغلام دون البلوغ، والظاهر هنا أنها كانت حرة ففي الرواية الثانية "جارية من الأنصار".
(على أوضاح لها) أي بسبب أوضاح، وهي جمع وضح، والأوضاح حلي الفضة، أي قتلها من أجل أوضاح وحلي من فضة كانت عليها، وفي الرواية الثانية "على حلي لها" وفي رواية للبخاري "خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة" وفي رواية له "عدا يهود على جارية، فأخذ أوضاحًا كانت عليها، ورضخ رأسها".