للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[فقه الحديث]-

احتج الجمهور بهذا الحديث على أن القاتل يقتل بما قتل به، وتمسكوا بقوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وبقوله تعالى {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}

وخالف في ذلك الكوفيون، واحتجوا بحديث "لا قود إلا بالسيف" وهو ضعيف، وطرقه كلها ضعيفة، وعلى تقدير ثبوته، فإنه على خلاف قاعدتهم في أن السنة لا تنسخ الكتاب، ولا تخصصه.

واستدلوا بحديث النهي عن المثلة، وهو صحيح، لكنه محمول عند الجمهور على غير المماثلة في القصاص، جمعا بين الدليلين.

وتفرع على القتل بمثقل كحجر أو عصا أو حديدة خلاف بين الفقهاء في مسألتين: الأولى: متى يعتبر هذا القتل عمدًا؟ ومتى لا يعتبر؟ فقال عطاء وطاووس: شرط العمد أن يكون بسلاح، إذن القتل بحجر أو عصا أو حديدة ليس عمدًا على الإطلاق.

وقال الحسن البصري والشعبي والنخعي والحكم وأبو حنيفة ومن تبعهم: شرط أن يكون بحديدة، والحديث يرد عليهم، وقد أجاب بعض الحنفية بأن هذا الحديث لا دلالة فيه على المماثلة في القصاص، لأن المرأة كانت حية، والقود لا يكون في حي، ورد بأنه إنما أمر بقتله بعد أن ماتت، فكان قصاصًا.

وقال ابن المنذر: قال الأكثر: إذا قتله بشيء يقتل مثله غالبًا، فهو عمد.

وقال ابن أبي ليلى: إن قتل بالحجر أو العصا ففيه نظر: إن كرر ذلك فهو عمد، وإلا فلا. وهذا غير مسلم، فقد يكون تأثير حجر واحد أقوى من تأثير مائة حجر، وكذلك العصا، وكلام ابن المنذر يتفق مع حديث المرأة التي رمت ضرتها بعمود الفسطاط، فقتلتها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها الدية.

المسألة الثانية: اختلف القائلون بالقصاص بما قتل به، فيما إذا استعمل ما قتل، فلم يقتل، كرجل ضرب رجلاً بعصا مرة واحدة، فقتله، فأقيد، فضرب بالعصا، فلم يمت، هل يكرر عليه حتى يموت؟ فقيل: لا يكرر، وقيل: إن لم يمت قتل بالسيف.

وماذا لو قتل رجل رجلاً بمحرم، كخمر ولواط وتحريق، قال ابن العربي: يستثنى من المماثلة ما كان فيه معصية، قال الحافظ ابن حجر: الأولان بالاتفاق، وفي الثالث خلاف عند الشافعية.

والحديث ظاهر في جواز سؤال الجريح: من جرحك؟ قال النووي: وفائدة السؤال أن يعرف المتهم، ليطالب، فإن أقر ثبت عليه القتل، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه، ولا يلزمه شيء بمجرد قول المجروح. هذا مذهبنا ومذهب الجماهير، وقد سبق في القسامة. ومذهب مالك ثبوت القتل على المتهم بمجرد قول المجروح، وتعلقوا بهذا الحديث، وهذا تعلق باطل، لأن اليهودي اعترف، كما صرح به مسلم في إحدى رواياته، فقتل باعترافه.

<<  <  ج: ص:  >  >>