للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة" إذ الأولية في كل منهما مقيدة، فهناك الأولية بالنسبة لمعاملات الخلق، والأولية بالنسبة لمعاملة الخالق.

(إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا) المراد بالزمان السنة، ولفظ الزمان في الأصل يطلق على القليل والكثير من الوقت، والمراد باستدارته إلى الوضع الذي كان عليه يوم خلق السموات والأرض وقوع تاسع ذي الحجة في شهر مارس، وهو آذار، وهو برمهات بالقبطية، وفيه يستوي الليل والنهار، عند حلول الشمس برج الحمل. وفي رواية عند ابن مردويه "إن الزمان قد استدار، فهو اليوم، كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" والكاف في "كهيئته" صفة لمصدر محذوف، تقديره: استدارة مشبهة وضعه يوم خلق الله السموات والأرض.

قال النووي: قال العلماء: معناه أنهم في الجاهلية كانوا يتمسكون بملة إبراهيم عليه السلام في تحريم الأشهر الحرم، وكان يشق عليهم منع القتال ثلاثة أشهر متواليات، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال، أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده، فيغيرون الأسماء، يسمون المحرم صفرًا، وصفر المحرم، ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة، حتى اختلط عليهم الأمر، وصادفت حجة النبي صلى الله عليه وسلم رجوع المحرم إلى موضعه. اهـ.

فكان نتيجة ذلك أن تغيرت الأشهر الحرم عن مكانها الحقيقي، حتى كادت تصبح أربعة مطلقة من السنة والمراد من "السنة" في الحديث السنة الهجرية، أي العربية الهلالية اثنا عشر شهرًا. قال الله تعالى {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب اللَّه} أي في اللوح المحفوظ {يوم خلق السماوات والأرض} [التوبة: ٣٦] أي في ابتداء إيجاد العالم.

والشهر العربي القمري يرتبط برؤية الهلال شرعًا بالشرط المعروف في الفقه، وحقيقة يرتبط باجتماع القمر مع الشمس في نقطة، وعوده بعد المفارقة إليها، ولا دخل للخروج من تحت الشعاع، إلا في إمكان الرؤية، بحسب العادة الشائعة، ومدة ما ذكر (٢٩ - ) تسعة وعشرون يومًا، ومائة وواحد وتسعون جزءًا من ثلاثمائة وستين جزءًا لليوم بليلته، وتكون السنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا، وخمس يوم وسدسه وثانية، وذلك أحد عشر جزءًا من ثلاثين جزءًا من اليوم بليلته (٣٥٤ - يومًا) وكانوا إذا اجتمع من هذه الأجزاء أكثر من نصف عدده حسبوه يومًا كاملاً، وزادوه في الأيام، وتكون تلك السنة حينئذ كبيسة، وتكون أيامها (٣٥٥) ثلاثمائة وخمسة وخمسين يومًا.

ولما كان مدار الشهر الشرعي على الرؤية اختلفت الأشهر، فكان بعضها ثلاثين يومًا، وبعضها تسعة وعشرين يومًا، ولا يتعين شهر للكمال، وشهر للنقصان، بل قد يكون الشهر ثلاثين يومًا في بعض السنين وتسعة وعشرين يومًا في بعض آخر منها، أما ما في الصحيحين، من قوله صلى الله عليه وسلم "شهرا عيد لا ينقصان. رمضان وذو الحجة" فمحمول على معنى لا ينقص أجرهما وثوابهما، وقيل: معناه لا ينقصان جميعًا في سنة واحدة غالبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>