وسكون الجيم وكسر الراء من الجرأة بضم الجيم وسكون الراء وفتح الهمزة، ويجوز فتح الجيم والراء مع المد، وهي الإقدام مع إدلال، وهذا القول كان بعد أن استفهم بعضهم بقوله:"من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم"؟ أي من يشفع عنده فيها أن لا تقطع، إما عفوًا، وإما بفداء، ففي بعض الروايات "لما سرقت تلك المرأة أعظمنا ذلك، فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: نحن نفديها بأربعين أوقية؟ فقال: تطهر خير لها" وكأنهم ظنوا أن الحد يسقط بالفدية، كما ظن ذلك من أفتى والد العسيف الذي زنى، بأنه يفتدي منه بمائة شاة ووليدة. فالذين استفهموا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ غير الذين قالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة؟ قال الطيبي: الواو - أي في "ومن" عاطفة على محذوف، تقديره: لا يجترئ عليه أحد لمهابته، ولا يجترئ عليه إلا أسامة، وكأنهم لما قال لهم صلى الله عليه وسلم "تطهر خير لها" ظنوا أن باب الشفاعة أو الفداء مفتوح، ففزعوا إلى أسامة، ففي بعض الروايات "فلما سمعنا لين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتينا أسامة" قيل: وسبب لجوئهم إلى أسامة أنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشفعه، ويقبل شفاعته، إضافة إلى أنه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم - بكسر الحاء، أي محبوبه.
(فكلمه أسامة) في الكلام طي، تقديره: فجاءوا إلى أسامة، فكلموه، فجاء أسامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه، وفي الرواية التاسعة "فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه فيها أسامة بن زيد" فرسول الله بالرفع نائب فاعل، أي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرأة، فأفادت هذه الرواية أن أسامة تشفع لها في حضورها، وفي الرواية الحادية عشرة "فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، فعاذت بأم سلمة" أي استجارت بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها قريبتها، وكانت أم سلمة زوجة لعمها، أبي سلمة، وعند الحاكم "فعاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال المحققون: في هذه الرواية تصحيف، فإن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت قد ماتت قبل هذه القصة، فلعل أصل الرواية:"فعاذت بزينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهي بنت أبي سلمة، أو أن الرواية لا تصحيف فيها، وأن زينب بنت أم سلمة نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل المجاز، فقيل، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره مربيها، وعند أحمد "فعاذت بربيب النبي صلى الله عليه وسلم" وقال في آخره" وكان ربيب النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة، وعمر بن أبي سلمة" وعند عبد الرزاق "فجاء عمر بن أبي سلمة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي أبه. إنها عمتي (يقصد عمتي من جهة كبر سنها، وهي حقيقة بنت عمه) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" وعند ابن أبي الشيخ "فعاذت بأسامة" ولا تنافي بين ذلك كله، فمثلها يستجير بكل من يظن فيه نجدة، وتكون قد استجارت بكل هؤلاء وبغيرهم.
(فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود اللَّه؟ ) أي هذا الذي تشفع فيه ليس لي، ولكنه حد الله الذي لا أعصيه، والاستفهام إنكاري توبيخي، بمعنى نفي الانبغاء، أي لا ينبغي، ولا يليق، ولا يجوز أن تشفع في حد من حدود الله، وفي الرواية التاسعة "فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد النسائي "وهو يكلمه" أي وأسامة يكلمه، وعند النسائي "فزبره" بفتح الزاي والباء، أي أغلظ له في النهي، حتى نسبه إلى الجهل، لأن الزبر بفتح الزاي وسكون الباء العقل.
(ثم قام فاختطب) افتعل فيها معنى المعالجة وبذل الجهد، وفي رواية للبخاري "فخطب"