(الأقضية) القضاء في الأصل إحكام الشيء وانتهاؤه والفراغ منه ويكون بمعنى الحكم فمن الأول قوله تعالى {فلما قضى موسى الأجل}[القصص: ٢٩] ومن الثاني قوله تعالى {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين}[الإسراء: ٤] وسمي القاضي قاضيا لأنه يدرس القضية ويصدر الحكم فيها ويكون بمعنى الإيجاب يقال: قضى بمعنى أوجب فيجوز أن يسمى قاضيا لإيجابه الحكم على من حكم عليه. فالقاضي يجمع بين المعاني الثلاثة يدرس المسألة وينتهي منها وينهيها ثم يصدر حكمه ثم يوجبه ويسمى القاضي حاكما وقراره حكما لمنعه الظالم من الظلم يقال: حكمت الرجل وأحكمته إذا منعته وسميت حكمة الدابة - بفتح الحاء والكاف لمنعها من الانفلات وسميت الحكمة حكمة -بكسر الحاء وسكون الكاف- لمنعها النفس من هواها.
(لو يعطى الناس بدعواهم) أي لو يعطى الناس ما يدعونه على الآخرين لمجرد دعواهم بدون دليل.
(لادعى ناس دماء رجال وأموالهم) عرف الناس في الأول للاستغراق ونكره في الثاني لصدقه على البعض المبهم والمعنى: لو أعطى كل أحد ما يدعيه لادعى بعض الناس ما ليس له وليس المقصود نفي الادعاء بل المقصود نفي التمكن والاستيلاء على دماء الغير وأموالهم فالمعنى: لو يعطى الناس ما يدعون لمجرد دعواهم لتمكن ناس واستولوا على حقوق غيرهم.
(ولكن اليمين على المدعى عليه) أي ولكن يرد دعوى المدعي -إذا لم يكن له بينة- يمين المدعى عليه وهل العبارة تقصر اليمين على المدعى عليه دون المدعي فلا يحكم له بشاهد ويمين؟ أولا تقصر؟ خلاف يأتي في فقه الحديث واختلف الفقهاء في تعريف المدعي والمدعى عليه قال الحافظ ابن حجر: والمشهور فيه تعريفان: الأول: المدعي من يخالف قوله الظاهر والمدعى عليه بخلافه والثاني: من إذا سكت ترك وسكوته والمدعى عليه من لا يخلى سبيله إذا سكت والأول أشهر والثاني أسلم وقد أورد على الأول بأن المودع إذا ما ادعى الرد أو التلف فإن دعواه تخالف الظاهر ومع ذلك فالقول قوله.
(قضى بيمين وشاهد) أي قضى للمدعي الذي ليس لديه إلا شاهد واحد أن يقوم يمينه مقام الشاهد الثاني فلم يعد اليمين في القضاء مقصورا على المدعى عليه وسيأتي تفصيل الحكم في فقه الحديث.
-[فقه الحديث]-
يقول النووي عن الرواية الأولى والثانية: هذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع ففيه