للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إن الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر الفصحاء من أن يستغلوا فصاحتهم في دعواهم الباطلة يحذر الذين يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون ويعلن أنه صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم الغيب وقد أمر أن يحكم بين الناس بمقتضى قواعد الشرع وربما حكم لامرئ بحق أخيه ظنا أنه صادق فمن قضى له بحق مسلم فليعلم أنها قطعة من النار فليأخذها أو يتركها وكل نفس بما كسبت رهينة.

-[المباحث العربية]-

(إنكم تختصمون إلي) الخطاب للخصوم الذين سمع أصواتهم وهو في بيت زوجه أم سلمة فخرج إليهم كما سيأتي في الرواية الثانية ولفظها "سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال ... " والجلبة بفتح الجيم واللام اختلاط الأصوات وفي ملحق الرواية الثانية "لجبة" بتقديم اللام على الجيم وهي لغة فيها والخصم فتح الخاء وسكون الصاد مصدر يطلق على الواحد وعلى الاثنين وعلى الأكثر وعلى المذكر والمؤنث وقد يثنى كما في قوله تعالى {هذان خصمان اختصموا} [الحج: ١٩] وقد يجمع كما في رواية بلفظ "خصوم" كما جاء في رواية للبخاري "سمع خصوم" وقد وقع التصريح في بعض الروايات عند أبي داود أن الخصومة كانت بين اثنين وأنها كانت في مواريث لهما ولفظها "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما" فلعل الجمع في "إنكم تختصمون إلي" على لغة من يطلق الجمع على الاثنين فصاعدا أو الخطاب لهما ولمن تجمع من المارة على خصومتهما ولعل الرجلين كانا في طريقهما إليه صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما وارتفعت أصواتهما بغير قصد أو بقصد إثارة انتباهه ليخرج إليهم إن شاء بدلا من طرق بابه أو أنهما كانا في الطريق إلى مكان آخر فوقعت الجلبة في هذا المكان صدفة ورواية أبي داود تفيد أنهما كانا قاصدين داره صلى الله عليه وسلم.

والمقصود من الباب ومن الحجرة الواردين في الرواية الثانية بلفظ "بباب حجرته" منزل أم سلمة كما صرح به في ملحق الرواية ولم تكن الخصومة بالباب بل عند الباب قريبة منه كأنها مصاحبة له.

(ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض) اللحن القدرة على التعبير عما يريد وقال النووي: "ألحن" بالحاء معناه أبلغ وأعلم بالحجة كما صرح به في الرواية الثانية. اهـ.

واختلف في تعريف البلاغة فقيل: أن يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه وقيل: إيصال المعنى إلى الغير بأحسن لفظ وقيل إجمال اللفظ واتساع المعنى وعرفها المتأخرون من أهل المعاني والبيان بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال والفصاحة خلو الكلام عن التعقيد.

والمراد هنا لعل بعض الخصوم يكون أقدر على إلباس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق بأدلته من البعض الآخر.

(فأقضي له على نحو مما أسمع منه) أي فأقضي له بناء على ما يقع من إقناعه لي بحجته

<<  <  ج: ص:  >  >>