الثاني: أن الملازمة مردودة فإن الإجماع إذا فرض وجوده دل على أن مستندهم ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فرجع الأتباع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إلى نفس الإجماع.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - قال النووي: في هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: أن حكم الحاكم لا يحيل الباطن ولا يحل حراما فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم به الحاكم لم يحل للمحكوم له ذلك المال ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما وإن شهدا بالزور أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق وقال أبو حنيفة: يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال فقال: يحل نكاح المذكورة وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح ولإجماع من قبله ومخالف لقاعدة وافق عليها هو وغيره وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال. اهـ.
قال الشافعي: إنه لا فرق في دعوى حل الزوجة لمن قام بتزويجها بشاهدي زور وهو يعلم بكذبهما وبين من ادعى على حر أنه في ملكه وأقام بذلك شاهدي زور وهو يعلم حريته فإذا حكم له الحاكم بأنه ملكه لم يحل له أن يسترقه بالإجماع.
وقال القرطبي: شنعوا على من قال ذلك -يقصد أبا حنيفة- قديما وحديثا لمخالفة الحديث الصحيح ولأن في هذا القول صيانة المال وابتذال الفروج وهي أحق أن يحتاط لها وتصان. اهـ.
وقد حاول بعض الحنفية تبرير هذا القول والدفاع عنه. فقال:
أ- جاء عن علي رضي الله عنه "أن رجلا خطب امرأة فأبت فادعى أنه زوجها وأقام شاهدين فقالت المرأة: إنهما شهدا بالزور فزوجني أنت منه فقد رضيت فقال شاهداك زوجاك وأمضى عليها النكاح".
ورد بأن هذا لم يثبت عن علي رضي الله عنه وكيف يتوهم أن عليا رضي الله عنه حكم بصحة النكاح بعد علمه بشهادة الزور؟ وكيف يتوهم أنه حكم بصحة النكاح مع أن المرأة أنكرت الركن الأساسي فيه وهو الإيجاب والقبول؟ وكيف تقول المرأة: زوجني أنت منه فقد رضيت فلا يزوجها زواجا شرعيا صحيحا متفقا عليه ويمضي ويحكم بصحة زواج ثابت الفساد؟ أعتقد لو أن هذه القصة ثابتة لكان معنى "شاهداك زوجاك" أي كانا سببا في رضاها بك وقبولها اليوم بزواجك بعد أن كانت غير راضية بك وكان معنى قول الراوي "وأمضى عليها النكاح" أي زوجها وعقد لها عليه ويكفي في هذا الدليل هذا الاحتمال ليسقط به الاستدلال؟ ثم كيف ينهض هذا الأثر لمقاومة الحديث الصحيح؟
ب- وقال تبريرا لهذا الحكم: إن الحاكم في النكاح قضى بحجة شرعية أمر الله تعالى بها وهي البينة العادلة في علمه ولم يكلف بالاطلاع على صدقهم في باطن الأمر (وهذا يرد الأثر السابق فإن عليا رضي الله عنه لم يحكم بناء على البينة العادلة في علمه بل ثبت له أن البينة غير