سفيان علم وسمح وفيه نظر والأولى أن يقال: فيه جواز خروج الزوجة للفتوى والقضاء ولو لم يأذن الزوج.
٩ - وأن للمرأة مدخلا في كفالة أولادها والإنفاق عليهم من مال أبيهم. قال النووي: قال أصحابنا: إذا امتنع الأب من الإنفاق على الولد الصغير أو كان غائبا أذن القاضي لأمه في الأخذ من آل الأب أو الاستقراض عليه والإنفاق على الصغير بشرط أهليتها. وهل لها الاستقلال بالأخذ من ماله بغير إذن القاضي؟ فيه وجهان مبنيان على وجهين لأصحابنا في أن إذن النبي صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان كان إفتاء -فيعم غيرها دون إذن القاضي -أم قضاء- فيحتاج إلى إذن -والأصح أنه كان إفتاء وأن هذا يجري في كل امرأة أشبهتها فيجوز.
١٠ - واستدل به على أن القول قول الزوجة في قبض النفقة لأنه لو كان القول قول الزوج أنه منفق لكلفت هند البينة على إثبات عدم الكفاية.
١١ - وعلى جواز إطلاق الفتوى مع إرادة تعليقها وتقييدها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق الإباحة لكنه أراد: إن صح ما ذكرت يا هند فخذي ما يكفيك كذا قال القرطبي وقال غيره: يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم علم صدقها فيما ذكرت فاستغنى عن التقييد ولم يقصده.
١٢ - وفيه جواز استماع كلام أحد الخصمين في غيبة الآخر.
١٣ - واستدل به بعضهم على اعتبار حال الزوجة حين تقدير النفقة وهو قول الحنفية والفتوى عند الحنفية على اعتبار حال الزوجين معا والشافعية على اعتبار حال الزوج تمسكا بقوله تعالى {لينفق ذو سعة من سعته}[الطلاق: ٧].
١٤ - واستدل به بعض الشافعية على جواز القضاء على الغائب وفي المسألة خلاف للعلماء قال أبو حنيفة وسائر الكوفيين: لا يقضى عليه بشيء وقال الشافعي والجمهور: يقضى عليه في حقوق الآدميين ولا يقضى عليه في حدود الله تعالى ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث لهذه المسألة لأن هذه القضية كانت بمكة بعد إسلام هند وأبي سفيان وكان أبو سفيان حاضرا بها وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعذرا لا يقدر عليه ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا فلم يكن قضاء على الغائب بل هو إفتاء اهـ. قال الحافظ ابن حجر: وفي بعض الروايات الضعيفة أن أبا سفيان كان معها حاضرا وذهب الأكثرون إلى أن الموضوع فتوى لا قضاء فلا يصح الاستدلال به على القضاء على الغائب.
ورجح القائلون بأنه قضاء بالتعبير بصيغة الأمر حيث قال لها "خذي" ولو كان فتيا لقال مثلا: لا حرج عليك إذا أخذت وبأن الأغلب في تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هو الحكم ورجح القائلون بأنه فتوى بوقوع الاستفهام من هند في القضية "هل على جناح"؟ ولأنه فوض تقدير الاستحقاق إليها ولو كان قضاء لم يفوضه إلى المدعي ولأنه لم يستحلفها على ما ادعته ولا طلب منها البينة.