وبينما الصحابة على ذلك، وبينما عبد أسود لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحل ناقة النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم طائش قضى عليه، فقال الصحابة: هنيئا له الشهادة، قال صلى الله عليه وسلم: كلا ليس بشهيد والله الذي نفسي بيده إن البردة التي سرقها من الغنيمة يوم خيبر قبل القسمة تشتعل عليه نارا.
ففزع الناس وخافوا وانزعجوا من هذه العقوبة، وقد كانوا يحسبون مثل هذا الأمر هينا، فعلموا أنه عند الله عظيم، وكان ممن هاله الخطب رجل أخذ خفية من الغنيمة سيرا لنعله أو سيرين، فأسرع بإحضارهما وتسليمهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: استغفر لي يا رسول الله، فقد أخذت هذين السيرين يوم خيبر، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لو لم تردهما لكانا سيرين من النار يلتهبان على قدميك يوم القيامة.
-[المباحث العربية]-
(لما كان يوم خيبر)"كان" تامة و"يوم" فاعلها، وفي "خيبر" مضاف محذوف أي يوم فتح خيبر.
(أقبل نفر) النفر عدة رجال من الثلاثة إلى التسعة، وجمعه أنفار وأنفرة ونفراء، ولم تعرف أسماؤهم، وقد أقبلوا من المعركة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقالوا: فلان شهيد) كلمة "فلان" من مقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليست من مقول النفر، وهي كناية عن الاسم الصريح الذي قالوه. وإن أعربت صياغة مقولا لقالوا، والمراد من "شهيد" أي سقط في القتال بين المسلمين والكفار فيحكم له بدخول الجنة أول وهلة.
(حتى مروا على رجل) أي حتى جاءوا في عدهم على اسم رجل.
(كلا) حرف زجر ورد. أي ليس بشهيد.
(إني رأيته في النار) رؤيا منام، وهي حق، أو الرؤية بمعنى العلم، أي علمت أنه من أهل النار بطريق الوحي.
(في بردة غلها أو عباءة) جملة "غلها" صفة لبردة، وحذف هذا الوصف من "عباءة" لدلالة الوصف الأول عليه، والتقدير: أو عباءة غلها.
و"في" للظرفية على أنه رئي في النار مظروفا في البردة، أو للسببية، والأول أنسب، والبردة: بضم الباء كساء مخطط، وهي الشملة، وقال أبو عبيد: هو كساء أسود، فيه صور، وجمعها برد بضم الباء وفتح الراء، وأما العباءة فمعروفة، وهي بألف ممدودة، ويقال فيها أيضا عباية بالياء والغلول -وفعله غل يغل بضم الغين-: هو الخيانة في الغنيمة خاصة، وقال بعضهم: هو الخيانة في كل شيء. قال ابن قتيبة: سمي بذلك لأن آخذه يغله في متاعه، أي يخفيه.