ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الأنبياء تحت "باب" لم يحدد عنوانه وذكر معه أمورا حدثت قبل الإسلام وقد اختلف العلماء في شرع من قبلنا. هل هو شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يعارضه؟ أو ليس شرعا لنا حتى يرد في شرعنا ما يؤيده؟
أما حكم الإسلام في مثل هذه القضية فيقول الحافظ ابن حجر: لفظ الحديث صريح في أن العقد إنما وقع على الأرض خاصة وأما صورة الدعوى بينهما فوقعت على هذه الصورة وأنهما لم يختلفا في صورة العقد التي وقعت والحكم في شرعنا على هذا في مثل ذلك أن القول قول المشتري وأن الذهب باق على ملك البائع ويحتمل أنهما اختلفا في صورة العقد بأن يقول المشتري لم يقع تصريح ببيع الأرض وما فيها بل بيع الأرض خاصة والبائع يقول: وقع التصريح بذلك والحكم في هذه الصورة أن يتحالفا ويستردا المبلغ وهذا كله بناء على ظاهر اللفظ أنه وجد فيه جرة من ذهب لكن في رواية أن المشتري قال: إنه اشترى دارا فعمرها فوجد فيها كنزا وأن البائع قال له لما دعاه إلى أخذه: ما دفنت ولا علمت وأنهما قالا للقاضي: ابعث من يقبضه وتضعه حيث رأيت فامتنع وعلى هذا فحكم هذا المال حكم الركاز في هذه الشريعة إن عرف أنه من دفين الجاهلية وإلا فإن عرف أنه من دفين المسلمين فهو لقطة وإن جهل فحكمه حكم المال الضائع يوضع في بيت المال. ولعلهم لم يكن في شرعهم هذا التفصيل فلهذا حكم القاضي بما حكم به.
ثم قال: فإن ثبت أنهما تحاكما إلى كسرى ارتفعت هذه المباحث الماضية والمتعلقة بالتحكيم لأن الكافر لا حجة فيما يحكم به. اهـ.
وقد احتج بهذا الحديث من جوز للمتداعين أن يحكما بينهما رجلا وينفذا حكمه فإن ثبت أنه كان حاكما منصوبا للناس فلا حجة فيه لهم وهي مسألة مختلف فيها فأجاز ذلك مالك والشافعي بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم وأن يحكم بينهما بالحق سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا واستثنى الشافعي الحدود وشرط أبو حنيفة أن لا يخالف ذلك رأي قاضي البلد وجزم القرطبي بأنه لم يصدر منه حكم على أحد منهما وإنما أصلح بينهما لما ظهر له أن حكم المال المذكور حكم المال الضائع فرأى أنهما أحق بذلك من غيرهما لما ظهر له من ورعهما وحسن حالهما وارتجى طيب نسلهما وصلاح ذريتهما.
ويثور هنا سؤال: أي الرجلين أكثر أمانة؟ البائع؟ أم المشتري؟
وقع في بعض الروايات عن أبي هريرة: لقد رأيتنا يكثر تمارينا -أي جدالنا- ومنازعتنا عند النبي صلى الله عليه وسلم أيهما أكثر أمانة؟