(فقطع بها براجمه) البراجم بفتح الباء وبالجيم: مفاصل الأصابع واحدها برجمة. قال أبو عبيد: الرواجب والبراجم مفصل الأصابع. وقال ابن العربي: الرواجب رءوس العظام في ظهر الكف، والبراجم المفاصل التي تحتها.
(فشخبت يداه) بفتح الشين والخاء. أي سال دمها، وقيل: سال بقوة.
والذي أتصوره أنه شخبت يد واحدة قطع براجمها باليد الأخرى، والتثنية بناء على أنه أمسك اليد المقطوعة باليد السليمة القاطعة، فسال الدم منهما، واحدة بالفعل وواحدة في الصورة، أو بناء على أن اليدين سال دمهما وخرج عن طريق يد واحدة، وهذا احتمال بعيد، كاحتمال أن يكون قد قطع بعضا من براجم يده. ثم أمسك المشقص بما بقي فيها من أصابع فقطع براجم الأخرى، فشخبت اليدان.
(ورآه مغطيا يديه) تثنية "يديه" هنا وفي قوله "مغطيا يديك" وقول النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم وليديه فاغفر" ربما أيدت التصور الأخير: وأنه قطع بعض براجم كل من اليدين. فدعوى أن قبح اليدين وأذاهما باعتبار أن إحداهما قاطعة فأوخذت وشوهت والأخرى مقطوعة مشوهة لم تصلح.
(فقصها الطفيل) أي قص الرؤيا.
(اللهم وليديه فاغفر) الواو عاطفة على محذوف. أي اللهم فاغفر له وليديه.
-[فقه الحديث]-
استدل به أهل السنة على أن من قتل نفسه، أو ارتكب كبيرة غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة يجوز أن يعفو الله عنه، ويجوز أن يعاقبه على ذنبه.
فإن قيل: هل هذا الرجل عوقب أو لم يعاقب؟ إن كان عوقب فكيف التوفيق مع قوله "غفر لي بهجرتي" وإن كان لم يعاقب فكيف بيديه.
قلنا إنه لم يعاقب على قتل نفسه، إذ عقوبة القتل نار حامية، وإنما غفر له تلك المعصية وغيرها بهجرته، وأخذ مؤاخذة خفيفة بالأذى في يديه.
فإن قيل: هل قبلت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بمغفرة يديه، أو لم تقبل؟ إن كان الأول فكيف التوفيق بينه وبين قوله "لن نصلح منك ما أفسدت".
قلنا: الظاهر قبول دعوته صلى الله عليه وسلم، وأنه غفر لجميعه وعفي عنه، ومعنى "لن نصلح منك ما أفسدت" أي ما لم يدع لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لن نصلح منك الآن ما أفسدت.
وفي الحديث رد على المعتزلة في قولهم بتخليد العاصي في النار، وعلى الخوارج في قولهم بكفر مرتكب الكبيرة، وعلى المرجئة في قولهم: لا يضر مع الإيمان شيء.