فخطب في قومه يجهزهم للحرب ويطلب منهم أن لا يخرج معه من هو مشغول بأمور دنياه ولا يخرج معه للغزو إلا من كان قوي العزيمة حازم الرأي فلا يخرج معه من هو مرتبط بالنساء أو بالبناء أو بالمواشي فغزا ووصل إلى الأعداء قبيل غروب الشمس ولم يكن صلى العصر. كيف يقاتل؟ وكيف يصلي العصر؟ إن الوقت لا يسمح بالأمرين فسأل الله تعالى أن يحبس الشمس عن المغيب حتى يقاتل ثم يصلي العصر فحبس الله الشمس وانتصر النبي وصلى العصر وجمع الغنائم وانتظر النار تأتي لتأكل الغنيمة علامة على قبول الغزو وجزاء الغزاة فجاءت النار فلم تأكل الغنيمة فدل على أن القربان غير مقبول لارتكاب معصية كبيرة وكان معلوما لهم أن من أكبر الكبائر السرقة من الغنائم وكانت علامة الغال أن تلتصق يده بيد النبي صلى الله عليه وسلم إذا وضع يده في يده وبهذا استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدد الغالين وأن يعترفوا وأن يعيدوا إلى المغانم ما سرقوه فلما وضعوه مع بقية الغنيمة جاءت النار فأكلتها.
-[المباحث العربية]-
(غزا نبي من الأنبياء) فيه مجاز المشارفة أي أشرف على الغزو وأراد الغزو وهذا النبي هو يوشع بن نون كما رواه الحاكم وأخرجه أحمد من طريق صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس" وروي أن الشمس أخر طلوعها في الفجر لموسى عليه السلام ولا تعارض بين الحديثين فتأخير طلوع الشمس غير تأخير غروبها ويوشع حبس له غروبها وموسى حبس له طلوعها الأمر كذلك بالنسبة لما روي من أن محمدا صلى الله عليه وسلم حبس له شروق الشمس أيضا لما أخبر قريشا صبيحة الإسراء والمعراج أنه رأى العير التي لهم وأنها تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير.
أما ما رواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من النهار فيجمع بينه وبين حديث أحمد بأن الحصر في حديث أحمد محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تحبس الشمس إلا ليوشع وليس فيه نفي أنها تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم فقد روى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم دعا لما نام على ركبة علي رضي الله عنه ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى علي رضي الله عنه ثم غربت قال الحافظ ابن حجر: وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده هذا الحديث في الموضوعات وكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه.
أما ما حكى القاضي عياض: من أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردها الله عليه حتى صلى العصر فإن ثبت ما قال القاضي فهذه قصة أخرى وجاء أيضا أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلام ذكره الثعلبي ثم البغوي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى {ردوها علي}[ص: ٣٣] وأنه عليه السلام تشاغل بالخيل حتى غابت الشمس فقال للملائكة الموكلين بالشمس بإذن الله لهم: ردوها علي فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها.