وإذا لم يكن هذا الكلام من كلام الزهري وكان من كلام أنس حمل على التجريد كأن أنسا جرد من نفسه شخصا آخر يتحدث عنه والأصل أن يقول: وكانت أمي قد أعطت .. إلخ.
والعذاق بكسر العين جمع عذق بفتح العين وسكون الذال كحبل وحبال والعذق النخلة إذا كان حملها موجودا والمراد أنها وهبت له ثمرها.
(فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته) أي فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم العذاق وثمر النخل الذي منحته له أم أنس إلى أم أيمن وذلك قبل زمن رد المنائح قال النووي: وهو محمول على أن أم أنس أعطته صلى الله عليه وسلم الثمرة يفعل فيها ما شاء من أكله بنفسه وعياله وضيفه وإيثاره بذلك من يشاء فلهذا آثر بها أم أيمن ولو كانت أم أنس أباحت الثمرة له خاصة لما أباحها لغيره لأن المباح له بنفسه لا يجوز له أن يبيح ذلك الشيء لغيره بخلاف الموهوب له نفس رقبة الشيء فإنه يتصرف فيه كيف شاء.
(لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم)"خيبر" مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على بعد نحو مائة وثلاثين ميلا من المدينة إلى جهة الشام وكانت الغزوة في المحرم وصفر سنة سبع من الهجرة على الصحيح وغنم المسلمون منها مغانم كثيرة حتى قال بعضهم: ما شبعنا من التمر حتى فتحنا خيبر غنموا البقر والإبل والمتاع والحوائط.
فخير النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بين أن يقتسموا الغنائم مع المهاجرين وبين أن يعطيها المهاجرين مقابل أن يتركوا لهم منائحهم فاختاروا عودة منائحهم إليهم فقد روى الحاكم في الإكليل "قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار لما فتح النضير: إن أحببتم قسمت بينكم ما أفاء الله علي وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا عنكم فاختاروا الثاني" وعائد الصلة في قوله "منائحهم التي كانوا منحوهم" محذوف تقديره: التي كانوا منحوهم إياها من ثمارهم و"منائح" جمع منيحة والمنيحة والمنحة العطية.
(فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي عذاقها وأعطى أم أيمن مكانهن من حائطه) في الرواية الثانية زيادة تفصيل ففيها "وإن أهلي أمروني أن آتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله ما كان أهله أعطوه أو بعضه" يحتمل أن يكون من سبيل التجريد والأصل ما كان أهلي أعطوه والمراد بأهله أمه "وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن" أي أمر بإعطائي إياها وردها إلى أمي "فجاءت أم أيمن" فعلمت بالأمر بإعادة العذاق إلينا "فجعلت الثوب في عنقي" أي شدت ثوبه من عنقه "وقالت: والله لا نعطيكهن وقد أعطانيهن" أي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرى ويسمع "فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا أم أيمن. أتركيه ولك كذا وكذا" كناية عن نخلات مماثلة عرضها في مكان آخر "وتقول: كلا" لا أرضى بديلا "والذي لا إله إلا هو فجعل يقول: كذا" أي يعرض عليها مضاعفا "حتى أعطاها عشرة أمثاله" أي أمثال العذق "أو قريبا من عشرة أمثاله" وفي معظم النسخ "والله لا يعطيكاهن" قال