أشهر من قبل معاوية، واشترك مع معاوية في حرب علي، وهو صاحب فكرة رفع المصاحف في موقعة صفين وموقفه مشهور في التحكيم.
في سنة ثلاث وأربعين من الهجرة، وهو ابن تسعين سنة، حضرته الوفاة، فأحصى ماله، فوجده: من الذهب (٣٢٥٠٠٠) ثلاثمائة وخمسة وعشرين ألف دينار، ومن الفضة (٢٠٠٠٠٠٠) ألفي ألف درهم، (أي مليوني درهم) وضيعة كبيرة قيمتها (١٠٠٠٠٠٠٠) عشرة آلاف ألف درهم (أي عشرة ملايين درهم) فنظر إلى هذا المال الوفير ثم قال: ليتك بعرا، وليتني مت في غزوة ذات السلاسل، لقد دخلت في أمور ما أدري ما حجتي فيها عند الله تعالى، أصلحت لمعاوية دنياه، وأفسدت آخرتي، عمي عني رشدي حتى حضر أجلي. ودخل عليه في هذه الحال بعض أصحابه، وبجواره ابنه، فبكى طويلا، وحول وجهه إلى الجدار يخفي ما به من أسى وحسرة، وما يذرف من بكاء، فجعل ابنه عبد الله يخفف عنه، ويربت بيديه على كتفيه، ويقول: لا تحزن يا أبتاه. فإنك قادم على رب غفور رحيم، يقبل الحسنات ويعفو عن السيئات. أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنك من الصالحين؟ أما قال فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص" وقال فيك: "عمرو بن العاص من صالحي قريش"؟ فكفكف عمرو دموعه عن عينيه، وأقبل بوجهه على زائريه، ثم قال: لست أعد للقاء ربي من أعمال صالحات أفضل من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وقد مررت في حياتي بثلاث مراحل، مرحلة كلها شر، ومرحلة كلها خير، ومرحلة خليطة لا أدري غلبة خيرها لشرها أو شرها لخيرها.
أما المرحلة الأولى: فقد كانت أيام كفري، وكنت أشد الناس بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أتمنى حينذاك أن أتمكن من قتله فأقتله، فلو كنت مت على هذه الحال لكنت من أهل النار.
وأما المرحلة الثانية: فمرحلة إسلامي الصادق، وعملي الصالح وصحبتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ابتدأت يوم أن ألقى الله الإيمان في قلبي، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منشرحا مسرورا فقلت: يا رسول الله ابسط يدك أتلقاها بيدي لأبايعك على الإسلام، فلما مد يده صلى الله عليه وسلم قبضت يدي، خوفا أن أبايع بشيء لا أستطيعه، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لك يا عمرو؟ ولماذا قبضت يدك؟ قال: فقلت: إني أردت أن أشترط قبل البيعة. قال: ما هو الشرط الذي تريده؟ قلت: أن يغفر لي ما قدمت من ذنوب قبل الإسلام. قال صلى الله عليه وسلم: اعلم يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله من المعاصي، وأن الهجرة من المصر فرارا بالدين تهدم ما قبلها من المعاصي، وأن الحج المبرور يهدم ما قبله من المعاصي، قال: فبايعت وأسلمت، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلى قلبي، وأجلهم وأعظم في عيني، وأصبحت لا أستطيع أن أرفع عيني فيه إجلالا له وتقديسا، بل لو سئلت أن أصفه ما استطعت، لأني لم أكن أملأ عيني منه، رهبة منه واحتراما له وإعظاما، ولو أنني مت على هذه الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة.
وأما المرحلة الثالثة: فكانت مرحلة انشغالي بالحياة الدنيا، وبسياسة الحكم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، توليت فيها أشياء، وعملت فيها أعمالا، لا أدري ما حالي فيها؟ ولا بماذا أجيب ربي عليها حين