عشرة من المسلمين عشرة أذرع وشارك فيه بنفسه تارة بالمعول وتارة بحمل التراب على كتفه صلى الله عليه وسلم ونقله من العمق إلى الشاطئ.
عشرون يوما وليلة قضاها المسلمون في عمل شاق مجهد وهم قليلو الزاد يشتد بهم الجوع ويربط الواحد منهم الحجر على بطنه لئلا يتقوس ظهره وليخفف ألم الجوع وعلى رأسهم مثلهم الأعلى في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وما إن فرغ المسلمون من حفر الخندق حتى جاء الأحزاب فعسكروا في جانب والمسلمون في الجانب الآخر وظهرهم إلى المدينة واشتد الحصار بالمسلمين وطال عشرون يوما أو تزيد لا يستطيعون مغادرة الموقع ولم يكونوا يملكون من المؤن وضرورات الحياة ما يكفي لطول حصار وتفلت المنافقون ومرضى القلوب من الميدان يستأذن فريق منهم النبي صلى الله عليه وسلم يقولون إن بيوتنا عورة ونخشى أن يهاجمها الكفار فاسمح لنا بحراستها والذهاب إلى المدينة ولم يكن بد من الإذن لهم فذهابهم وحالتهم هذه خير من بقائهم ولم يبق مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الميدان سوى ثلاثمائة مسلم في مقابل عشرة آلاف زاغت أبصارهم وبلغت قلوبهم حناجرهم ولم يعد عندهم أمل في النصر أو السلامة إلا أن ينقذهم الله فلجئوا إليه بالدعاء فتدخلت عناية الله ففتح على الأحزاب فتحة من ريح وبرد لم تتجاوز خيامهم فقلعتها وألقتها بعيدا يمسكون بها فتجرهم وراءها وتفرقت خيلهم وإبلهم فلم يعودوا يسيطرون عليها وتناثرت قدورهم وأمتعتهم فانشغلوا بجمعها ولم يكن أمامهم إلا الرحيل.
المسلمون في حاجة لمعرفة ما يجري في معسكر الأحزاب فمن الفدائي الذي يخاطر بنفسه؟ قال صلى الله عليه وسلم أمام أبطال المسلمين: من يتطوع ويتخفى ويصل إلى معسكر القوم فيأتينا بأخبارهم؟ وله أن يكون معي وفي صحبتي يوم القيامة؟ ولم يجب أحد فالمهمة خطيرة جدا أعادها صلى الله عليه وسلم فلم يجبه أحد أعادها الثالثة فلم يجبه أحد قال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: حذيفة شجاع وذو حيلة فمر حذيفة فقال صلى الله عليه وسلم قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم واقترب منهم برفق واستعمل الخدعة والمسالمة ولا تهيجهم علينا ودعا له صلى الله عليه وسلم بأن يعينه الله على مهمته وأن يحفظه ويرجعه سالما كيف يخرج حذيفة من خيمته والليلة شاتية باردة تكاد الأطراف تتجمد من برودتها لكن الأمر قد صدر والاسم قد تعين ولا اعتذار فليستعن بالله عجبا لقد تحول عنه البرد إن جسمه يحس بالدفء إنه يمشي في جو دافئ كأنه يمشي في حمام ساخن لقد وصل إلى عسكرهم وها هو يرى أبا سفيان وقد أوقد نارا وعرض للنار ظهره يدفئه من شدة البرد إنه يستطيع أن يصوب سهما من كنانته إلى ظهر أبي سفيان فيرديه قتيلا فليخرج سهما من كنانته وليثبته في قوسه استعدادا لإطلاقه لكنه في تلك اللحظة تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تهيجهم وأي تهييج أعظم من إصابة زعيمهم في ظهره؟ أعاد السهم إلى الكنانة وتلمس التعرف على أحوالهم إنهم يجمعون أمتعتهم ويحملونها على إبلهم ويحلون خيامهم إنهم يستعدون للرحيل بل قد رحل كثير منهم وعاد حذيفة وهو لا يحس بالبرد كأنما يمشي في جو يوم دافئ حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبر القوم وانتهت المهمة التي وكلت إليه.