للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن أبيها واتجهت إليهم تشتمهم وتسبهم فلم يردوا عليها فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من صلاته توجه إلى الكعبة ورفع يديه ودعا على زعماء قريش الجالسين أصحاب هذا التخطيط والراضين عنه وكرر الدعاء ثلاثا وكتم المشركون أنفاسهم واستبد الخوف والرعب بهم يخافون على أنفسهم من دعائه صلى الله عليه وسلم ولم تمض بضع سنوات بل لم تمض أربع سنوات حتى صرعهم الله في غزوة بدر وألقيت جثثهم في بئر بعد أن صارت جيفة وتحقق فيهم ما دعا به صلى الله عليه وسلم.

ولما ابتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وكسرت سنه وجرح وجهه وشجت رأسه وسال الدم منه على وجهه الشريف ورأت عائشة زوجه رضي الله عنها هذا المنظر الصعب واسته رضي الله عنها بقولها: هل رأيت شدة وأذى في حياتك يا رسول الله آلم من هذا الذي حدث لك؟ قال لها: إن الآلام الجسدية قد تهون ولكن الصعب الآلام النفسية ولقد رأيت من قريش من الآلام النفسية الشيء الكثير وأصعب ما رأيت منها يوم ذهبت إلى الطائف أستجير بزعيمها ابن عبد ياليل من إيذاء أهل مكة لي بعد موت أبي طالب طلبت منه أن يحميني من أذاهم -وكان من عادة العرب إذا أعلن كبير حماية أحد أو أنه في جواره لم يتعرض له ويصبح أذاه من أذاه واستمر في الإسلام أن يجير المسلمون من أجاره واحد منهم- وأقمت في الطائف عشر أيام أستعطفهم حمايتي وتمكيني من تبليغ دعوة ربي فسخروا مني وقالوا إن قومك الذين آذوك ويؤذونك أعلم بك منا ولولا أنك تستحق ما آذوك وأغروا بي سفهاءهم وصبيانهم يتبعونني بالشتم والاستهزاء وقذف الحجارة حتى أدموا قدمي وسرت لا أدري إلى أين أسير مهموما مهزوما مشغولا بما أنا فيه وقد كنت كالمستجير من الرمضاء بالنار ولم أنتبه لنفسي ولم أستفق من غشيتي إلا بعد عدة أميال في طريق وصلت فيه إلى ما يعرف بقرن الثعالب وقد رجع السفهاء والصبية فوقفت وأسندت ظهري إلى سور حديقة ورفعت رأسي إلى السماء أقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ثم أظلتني سحابة فرفعت رأسي إلى السماء فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني: يا محمد إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت في قومك فناداني الملك الموكل بالجبال: يا محمد إن الله عز وجل قد سمع ما رد به قومك عليك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك لأأتمر بأمرك إن شئت أطبقت عليهم الجبلين المحيطين بهم فبماذا تأمرني؟ فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أعفو وأصفح وأسأل الله أن يهديهم إلى الإسلام فإن لم يسلموا فأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا.

فصدق الله العظيم إذ يقول {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: ١٢٨].

نعم لقد كانت يد الرحمن الرحيم تحنو على محمد صلى الله عليه وسلم كلما أوذي وتأسو جراحه كلما جرح فحينما فرح المشركون بتأخر نزول الوحي وأظهروا الشماتة وقالوا: ودع رب محمد محمدا وأبغضه وقلاه نزل قوله تعالى: {والضحى* والليل إذا سجى* ما ودعك ربك وما قلى} ولم يقتصر الأذى

<<  <  ج: ص:  >  >>